عندما بدأت مجموعة قنوات MBC بالإعلان عن مسلسل رشاش، رافقت ذلك الإعلان الضخم والمكثف حملة قوية جداً في قنوات التواصل الاجتماعي لا تقل قوة عن الإعلان. وبمجرد نشر حلقات رشاش الذي قدم شخصيته الأستاذ يعقوب الفرحان صار الحديث أن الدراما السعودية قفزت عبر رشاش قفزة نوعية كبيرة تجاوزت من خلالها السينما العربية كاملة، وهذا ما جعلني أحرص على متابعة المسلسل في حينه ولكنني حقيقة لم أجد في رشاش ما يستحق من ثناء كبير بل على العكس كنت أرى فيه أخطاء فادحة جداً على صعيد الأفكار التي قدمها، وهو ما ترك أثراً سيئاً على شبابنا الذين تأثروا بأفعال شخصية رشاش بدلاً من ازدرائها!
ولا عجب في ذلك بالنسبة لي مطلقاً، فمؤلف العمل هو الكاتب البريطاني المعروف Tony Jordan، ومخرج العمل هو البريطاني Colin Teague ولذلك فإنه من المؤكد أن المسلسل سيغرقنا بالأفكار والأطروحات التي لا تشبهنا، حتى وإن تمت كتابة السيناريو بواسطة الشيخة سهى آل خليفة، فلا بد أن تتسلل الأفكار والأطروحات التي تسللت للدراما العالمية إلى العمل السعودي وهذا ما حدث.
سأدع الحديث عن الاختلافات الكبرى بيننا وبين الغرب في البناء الاجتماعي لمقالة أخرى وسأركز هنا على مسلسل رشاش الذي لم يظهره العمل بالمجرم وقاطع الطريق الذي يروّع المارة والآمنين، بل قدمه بمظهر الشخص البار بوالدته والذي لا يترك أصدقاءه، وإنما يحميهم ويدافع عنهم حتى في أحلك الظروف، بل وينتصر بعبقريته على رجال الأمن الذين يقفون في كل مرة عاجزين عن السيطرة عليه، مثلاً أثناء محاصرتهم له مع عصابته في أحد المباني ليبتدع حيلة إغراق الرهائن بمادة قابلة للاشتعال، وبذلك استطاع تأمين طلباته والهرب من قبضة رجال الأمن وهو جالس على مقدمة السيارة مصوباً سلاحه تجاه صهريج المادة المشتعلة وهو يضحك من عجز رجال الأمن! مع أنه في الحقيقة كان بإمكان رجال الأمن محاصرته بمجرد مغادرته ذلك الشارع عندها سيصبح بينه وبين الصهريج المباني والجدران، وبذلك لا يملك شيئاً يساوم عليه، ولكنها كانت سذاجة في الإخراج لا أدري كيف مرت مرور الكرام على المشاهدين.
في الجهة المقابلة، قدم العمل ضابط الشرطة النقيب فهد الذي قدم شخصيته الأستاذ نايف الظفيري على أنه شخص في حالة صدام دائم مع والده، فكان الضابط ابن عاق بوالده! بينما كان رشاش ابناً باراً بأمه، وهذا في مجتمعنا يرسم في مخيلة شبابنا الذي تأسس على البر أن رشاش أفضل من النقيب فهد، وبذلك قدم المسلسل المجرم على أنه شخصية ذكية وقوية ووفية، بل وقدم أعضاء العصابة على أنهم أوفياء لبعضهم البعض وسيحمون بعضهم البعض تحت أقسى الظروف وحتى آخر لحظة.
في الجهة المقابلة، كان الضابط فهد يحرض أخاه على عدم طاعة والده والعمل على تحقيق حلمه!
أدرك أن العمل يركز على جزئية مطاردة الحلم هنا، ولكن كان من الواجب على الكاتب تقديم ذلك من خلال ظروف أخرى وليس من خلال صراع الأب من أبنائه، خصوصاً أن ملاحقة الحلم في الدراسة لم يعد مشكلة لدى الفتيات السعوديات اليوم فما بالك بالشباب، حتى أن الشباب والفتيات أصبح بمقدورهم الدراسة في أفضل الجامعات العالمية المعروفة عبر البعثات السعودية المجانية بالكامل وفق رؤية 2030، فلماذا قدّم المخرج الفكرة بتلك الطريقة؟ خصوصاً أنها لم تكن قصة مشوقة أو ملهمة لأحد، بل كانت الحوارات بين الأب وأبنائه تدعوا للاشمئزاز في مجتمعنا، ولذلك سيكون رشاش في نظر السعوديين هو الأفضل في كل الأحوال وهذا خطأ فاضح وقع فيه العمل كانت نتائجه إعجاب الكثير من المراهقين بشخصية رشاش التي أحبها السعوديون لأنها تلخصت في بر الوالدين والوفاء للأصدقاء والقدرة على الارتجال والانتصار، فلماذا تم تقديم رشاش بهذه الطريقة؟
ومن أخطاء المسلسل الفادحة ذلك تصرف النقيب فهد عندما قام بتجاوز صلاحياته وأخذ دور البطولة، وأين؟ في المجال العسكري! فلا يجب أن تصنع الدراما رجال يتجاوزون الصلاحيات فنحن في وطن باستطاعته تحييد أي عمل فاسد ضد الأمن القومي الوطني ولذلك لا نحتاج للارتجال العسكري والقفز فوق الصلاحيات من أجل إنقاذ الوطن! فالوطن محمي من الاختراق الاستخباراتي بفضل الله ثم بفضل قيادته، ولكن هذه ضريبة تقديم قصة سعودية بعقول غربية! ولابد الانتباه لمثل هذه الأطروحات الخاطئة مستقبلاً.
** **
- محمد المسمار
@M_almismar