الثقافية - مسعدة اليامي:
عندما تكون الجماليات في توليد النص غاية الأديب، فإنه يبحث عنها في الكثير من المسارات الأدبية المتنوعة من خلال القراءة المتأنية، وذلك ما توهج لنا من خلال ردود الأديب القاص الناقد ميثم الخزرجي.. الذي يرفض أن يُقال عن الناقد إنه المهاجم! في ظل أنه يشير إلى الجمال ومكامن الضعف في المادة الأدبية, وتلك قطرة من الكثير الذي يبعث الأموات من مخيال الأساطير, والتاريخ, والفلسفة التي تحتاج إلى الكثير من الوقت, والجهد, وممارسة الرياضة.
* نحن نشرف على العالم عبر نوافذ أدبية مختلفة, كانت القصة نافذتك.. لذلك حدثنا عن تلك النافذة في حياتك قراءة وكتابة؟
- جدلاً أن تستوعب المعنى الحقيقي لوجودك، وأن تبدد العدم لتزاول رؤاك وتصيّرها بشكل جمالي له ممكناته وعدته الفنية، أن ترتكن في آخر فسحة من الكون لترى العالم من زاوية قيمية تنعم بالكلمة واللون والأغنية، فتبصر ذاتك، من منا يبصر ذاته ليؤسس كونه الخاص؟، أتحدث عن نفسي وعن المتشبثين بالخلاص من هذا الكون المعبأ بالكثير، عن الذين أحاطتهم سرف الأفكار الناقمة مجترحين لأنفسهم عالماً بالضد لكل ما هو حتمي ومسلم به، مؤسسين لمشغلٍ ناقد، مشغل يسعى إلى الإطاحة بالقبح البشري الغائر ليوظفوا ذلك في مشاريعهم فيوقدوا ذواتهم المستبعدة من خلاله.
واقعاً إن مزاولة الفعل القرائي يأتي من خلال الاطلاع على تجارب ثرة ناضجة تفي حق الوقت المستقطع لتشكّل إضافة جادة، ولكي أكون منصفاً مع ذاتي أولاً ومع القارئ، إن انجذابي للمتون القصصية يكاد يكون منتقىً بحسب المؤهل الفكري المعني للنص وطبيعة النسيج اللغوي ناهيك عن طريقة العرض واستقرار عناصر الجمال فيه، وهنا تكون المسألة نسبية خاضعة لكم من الأنساق الثقافية والمعرفية التابعة لي غير أني أعوّض هذا الإقلال - إن صح ذلك- بقراءتي للفكر والفلسفة ساعياً للتخلص من الرتابة المستحوذة على الكثير من كتّاب القصة، هاماً بأن أدون ما أتبناه وأراه متسقاً والفكر الطليعي داخل النص.
* ماذا عن المسابقات التي شاركت من خلالها, وماذا حققت لك في عالم القصة الواسع؟
- اشتركت في عدد من المسابقات العراقية والعربية منها مسابقة اتحاد الأدباء والكتاب العراقي عام 2019 عن مجموعتي الفائزة (بريد الآلهة)، وأيضاً مسابقة قصص على الهواء التابعة لمجلة العربي الكويتية بالتعاون مع إذاعة مونت تكارلو الفرنسية لمرتين كان آخرها فوز قصتي بالمرتبة الأولى بعنوان (محنة الرائي) وقبلها قصة (عين الجحيم) في نفس المسابقة، ومسابقة مع دار تشرين المصرية عن نصي القصصي (سادن المقبرة) وغيرها.
يسعى كل أديب أن يحجز له مقعداً محترماً في المشهد الثقافي وهذا طموح مشروع، المسابقة ضوء مهم يعطى لصاحب الطرح إشهاراً إعلامياً فضلاً عن تسليع وتسويق مادته وترويجها، لكني أود أن أنوّه إلى مسألة ضرورية تعنى بكنه الأديب نفسه بأن يكتب لغرض الكتابة لا لغرض المسابقة، ما أعنيه أن لا يكون نصه قصدياً لغاية معينه فيأتي مفتعلاً، بل يكون منساباً متى ما نزع مخياله لذلك.
* ما الذي احتجت لموهبتك القصصية والكتابة النقدية قبل أن تبحر في العالمين؟
- القراءة الجادة والمستقرة، هذا ما أدعيه طبعاً وأسعى جاهداً بأن أتبناه معنىً وسلوكاً حياتياً، تحديداً طبيعة جنس القصة والرواية يحتاج إلى هدنة وكياسة بل هندسة وإستراتيجية مخطط لها تبعا لسياق النص وطريقة طرحه وما يتضمنه من عناصر جمالية كذلك المشغل النقدي المشيّد بالتحليل والتأمل التابعين لمنهج له معاييره الإجرائية، وهنا يكون التثاقف متصلاً وفقاً لحيثيات وسمات وهاجس هذين العالمين.
* صدرت مجموعتك عن طريق الاتحاد العام للأدباء والكتاب بالعراق ومدينة النجف, ما الدور الذي يقدمه لكم الاتحاد من أدباء, وهل تجد ذلك يكفي للمواهب الأدبية في مجال القصة أو المجالات الأخرى؟
- عمومية المشهد الأدبي والفني أيضاً وأنا أنظر لهما كمؤسستين غير ربحيتين تعنى بالذوق، تحتاج إلى المزيد من الدعم لتبسط يدها على أكثر عدد من الأدباء والفنانين، وهنا يسند الدور الفعلي للدولة بأن تنظر إلى الفعل الثقافي كأداة تعيد صياغة المجتمعات بحلة مغايرة وتؤهله بصناعة جيل يفكر له مقترحاته وخططه في النهوض بالواقع المعيش.
* أسئلة محرمة في رأيك هل تصبح تلك الأسئلة مشروعة عندما تعانق الورق, وما الذي حرم تلك الأسئلة على ألسنة الطبقة المهمشة؟
- المدونة الجمالية للأديب وثيقة إدانة مشيّدة بعُدة فنية ضد الظلم والقُبح والانحسار الذي لحق بالإنسان، بالتالي هي إحالة لحقبة زمنية مملوءة وصاخبة بالكثير من الأزمات والمنغصات وما يتعلق من اجتراحات أيدلوجية أو سننٍ ومعتقدات لاهوتية فيما إذا توقفنا عند لوعة السؤال الجدلي وتوظيفه نجد أن ثمة عمراً مضافاً ومضاعفا ينعم به النص حال تفكيكه وطرحه في السياق، وهذا ينسحب على المسرح والسيناريو، بل حتى التشكيل والنحت أيضاً. فما زال نصب الحرية في بغداد للراحل جواد سليم يشير إلى توثيق أحداث تاريخية من خلال حفنة من الرموز الآشورية والسومرية القديمة لتكون دلالة هذا المعلم منطلقاً نحو الحرية والنزوع إلى خلق بنية مجتمعية خالية من القيد والأغلال، وقد كشفت حمولة الرقيم والطمي وما تسرب لنا من خلال مرسال الزمن عن طبيعة الحياة السائرة في تلك الفترة، بل إن سفر الفلاسفة الإغريق وما سطره إفلاطون في جمهوريته إحالة جادة إلى التحقيق نحو عذابات الإنسان ومخاضاته المستمرة.
ثمة موانع ومصدات كثيرة حدّت من اندفاع وتهافت الإنسان نحو السؤال، وهنا لا أريد أن أتوقف عند أسباب هذه المصدات والعقبات، هل هي سياسية أم مجتمعية نسقية ذات منحى قبلي لكني أوقن بالمطلق إلى جدلية هذا السؤال ومنشئه وغاية مطلبه، لعله الحيف والغبن أم الشك بفرعية المعرفي والعفوي غير أني استقر عند الإثارة التي تحرّك الساكن وتزيل ركام وأنقاض الأفكار الظلامية المتوارثة من الذهنية، هل هو الوعي يا ترى؟ أتساءل أنا.
* «بريد الآلهة» بماذا شعرت عند كتابة تلك القصة, وكيف تعاملت مع العالم السفلي أثناء تخيل الأحداث, وهل غَمرتك الأحلام المخيفة ليلاً, وهل أنت من الكتَّاب الذين تعيش شخوص القصة بداخلهم كثيراً, أم أنك قادر على التخلص من ذلك الوضع بسرعة؟
- حقيقة لا أتذكر بماذا شعرت لحظتها، لكني أكملت خزاناً من الشاي العراقي وكنت أطيل النظر إلى نافذة الغرفة وقد تصحرت بعض من التفاصيل الأخرى التي كانت ربيبة النص، لكني كنت مهموماً بسلالة الوجع وحقيقة محتواه وعن سطوة الكهنة والمخيال الغيبي الذي رسموه لنا ليجعلوا حياتنا سنناً ونواميس تدار من قبلهم, أتحدث عن نمط وسلوك المجتمع إزاء هذه الدائرة مرتسمة بالعالم السفلي الذي بانت ملامحة تظهر على الواقع، هل قلت تظهر أم أنها ثابتة ومؤسس لها!، أصدقكِ القول بأني لم أتقيد من الناحية الفنية على الرغم من الخشية في كيفية تقمص الشخوص الأسطورية وماهية الصراع المستطيل الذي يحمله الإنسان الأول بزمكانية وعيه جرّاء توظيف الطقس بعموميته، لذا كانت تحرّكات الشخوص غير مضطربة تسير وفقاً لحيثيات ذلك العالم غير أنها كتبت بأوانها.
بطبيعة الحال أجد أن الجزء الأكبر من أبطال قصصي هم أناي المضمرة، بل حتى المعلنة، ثمة حاجة فعلية غير مقصودة تجعلني أتعافى من إسقاط الكثير من التفاصيل التابعة لي وتمرير ارتساماتي داخل النص، لعله سلوك أو غاية لإشباع وجودي من خلال فعل الكتابة، في أحايين كثيرة ألهث متصلاً وروح البطل، أصرخ، أتأمل، يتساءل بطلي/أناي الحقيقية، جميع متبنيات النص هي ذاتي المطالبة التي تحتج، فأنا من النوع الإشكالي لا أتعاطى المعرفة كمعيار ثقافي فقط، بل كسلوك حياتي قيمي أيضاً، لذلك يكون الهاجس المنضوي مضاءً وإن تقصّدت إمّحاء خطاه، غير أني سرعان ما أتخلص من تبعية أبطالي بكل ما يحملونه من رؤى عن طريق القراء المختلفة وممارسة الرياضة وسماع الأغاني.
* كيف هي علاقتك مع خير جليس, وما أهم الكتب التي تقرأ عالمياً وعربياً, قديماً وحديثاً, وبماذا نصحت نفسك عندما وجدت أنك تمتلك القدرة على الكتابة القصصية؟
- لا أستطيع أن أعطي نسبة مقدّرة تقوّم فعل القراءة بالنسبة لي كي لا أتظاهر بالبرجزة الثقافية أو مدعياً لذلك لكني أؤمن أن علاقة المثقف بشقيه إن كان صاحب مدونة أو المتعاطي مع الثقافة كمراس حياتي هي علاقة عرفانية خالصة ليس من باب الزهد بالشيء بل الصلة الروحية الخالصة، فالقراءة ليست سمة أو مزية استعراض بقدر ما هي مزاولة تعضّد المشغل الجمالي وتزيد سعة المخيال فضلاً عن استقراء الحياة وفقا لمعايير إنسانية.
تشترك وتثاقف الكثير من المواد التي تطوّر من مشروعي القصصي وتحفز من اشتعاله، فما بين قراءتي المستمرة لنظريات المعرفة تحديداً، أتنقّل بين الأسطورة والميثالوجيا والشعر كوني أجد أن ثمة أبعاداً جمالية مستقرة في هذه العوالم تثير وتثري حاجة الأديب الطامحة للتفرد وهذه إحالة مثمرة إلى بعض الأسماء التي جعلتني أعيد صيانة مشروعي لأمرر محنة إنسان هذا العالم من خلال شروحاتهم، أجد أن المفاهيم التي طرحوها فلاسفة الإغريق والسعي المناط بقيمة الإنسان ورفعة مكانته فضلاً عن الأسئلة التي نوقشت والاستفهامات التي أحاطت بالمجمل الكلي للواقع شكّلت إضافة معرفية تخص النظرة المعنية بواقع الإنسان واستقرار هيبته مروراً إلى فلاسفة الحداثة والتفرع الجدلي والمفاهيمي التابع لهم، فما بين عدمية نيتشه وسأم وتشاؤم شوبنهاور ووجودية سارتر وعبثية وتمرد كامو الكثير من المشتركات الكونية المحتجة والمتبنيات الإشكالية الكبيرة، وهذا يحفز ويضيف إلى المشغل النقدي ليعطي هدنة واستراحة نسبية في كيفية التعاطي مع النص من ناحية التحليل المنهجي. شعراً، المعري والسياب وأدونيس فضلاً عن أن هناك تجارب سردية مثمرة وكبيرة عربية وعالمية مثل موسى كريدي ولطفية الدليمي ونيكولاس كازانتزاكيس وتولستوي وتجارب أمريكا اللاتينية، لكني بعمومية القول أجد أن الفلسفة هي المحرّك والاختيار واللوعة للدخول إلى الحقيقة من ناحية الواقع والنص. أما النصيحة التي أتخذها مساراً في مشروعي هو أن أقرأ بهدوء وروية وأن أأنسن نصي من خلال نبذ العنف والطائفية وأشرك سمات إنسانية وأعطيها مجالاً مهماً داخل النص فضلاً عن فسح مساحة مهمة للأسطورة وربطها بالواقع المعيش، كوني مؤمناً بأن الجمال هو الذي ينتصر شريطة أن يدرك ويعي الحاجة الماسة لوظيفته.
* ناقد وكاتب قصة كيف تؤثث كل حديقة دون أن تأثر على الأخرى, وهل الناقد بداخلك يهاجم القصة بعدما تكتب أو يقيدك قبل أن تشرع في كتابتها, الناقد ماذا يكتب لنا عن القصة العراقية اليوم؟
- قبل فترة ليست بالبعيدة أشرت بمقالٍ نسقي ثقافي بأن المشروع النقدي بعنصره الأم - المنهج- ومنهجه المتخذ يحتاج إلى كياسة في كيفية التعاطي مع النص لأجراء التحليل والخلاصة برأي نأمل به بأن يكون رأياً عقلانياً بحكم توفر العناصر المعنية للناقد، أتحدث عن حيثيات الناقد هنا، كذلك القاص والروائي، أجد أن أهم عنصر من عناصر تكوينه الجمالي هو التأمل والسكينة بمعناها المفاهيمي والنسقي وفقاً لخطوات اتصاله بالنص، فالقصة فكرة يقودها المكان والزمان وان كانا ثابتين وطريقة العرض تحتاج إلى استرخاء بمدونة شاقولية مرتبطة بالبعد الإجرائي للفكرة وتشعباتها لذلك ثمة مشتركات بين السرد بعموميته والنقد.
فكرة الناقد المهاجم أرفضها بالمطلق، أنا بوصفي أحد صنّاع الجمال - هذا ما أدعيه- أرفض هذه المفردات ومن يصطف معها كونها لا تنم عن علمية، النقد علم، الناقد الحقيقي لا يهاجم بل يشير إلى وهن وضعف السياق العام للنص وإن حاول الإقلال من قيمة متن معين وفقا لمقتضيات المنهج يأتي من خلال التحليل والتفكيك واستعراضهما بصورتهما العلمية، لكني سآخذ سؤالكِ على محمل آخر، هل الناقد الذي في داخلك يحاسب القاص؟ يحاسبه بالتأكيد لكن المحاسبة تأتي من خلال القراءة والاطلاع.
بعد العولمة الغريبة التي طرأت على الذهنية العربية دفعة واحدة وافتضاح الخصوصية إمعاناً للوسائل المعلوماتية واتخاذ الكثير من دور النشر تسليع المادة على حساب المعيار والقيمة، أصبحت هناك مواد مضطربة تتصدر عمومية المشهد وهذه حالة عامة يعاني منها المشهد العربي، لكني أتوقف عند تجارب عراقية مهمة ومحترمة أعطت وحققت منجزاً يشار له على مستوى الساحة العربية والعالمية أيضاً، لكن المشكلة أين؟ استشراء الرثاثة وإشاعتها في جميع المجالات بحكم الضوء المجاني الذي سلط عليهم.
* بما أننا في مضمار القصة أذكر لنا بعض الأسماء البارزة في كتابة القصة بالعراق, وما أهم الأعمال القصصية التي تستحق القراءة والمتابعة؟
- كثيرة هي الأسماء والأعمال التي تستحق القراءة والإشادة أيضاً سواء كانوا من الرواد مروراً إلى المرحلة الحالية، غير أني أنظر بعينين شاخصتين إلى كثير من النتاج السابق باعتباره مرحلة تأسيس وريادة ووعي مثل موسى كريدي ومحمود جنداري -رحمهما الله - وأحمد خلف وعبد الخالق الركابي -أطال الله بأعمارهم - والقائمة تطول، العراق منجم مهم وكبير للأدب ومشاغله.
* مجوعتك القصصية الثانية النزوح نحو الممكن ما هو الممكن من وجهة نظرك ككاتب؟ وما مدى اقتناعك بالإهداء الذي كتبت: (إلى ذلك الهم الذي يمارس فورته فينا ليجعلنا نكتب) ولماذا؟
- كيف لنا أن نقي أنفسنا من هذا السأم المتفاقم في هذا العالم؟ هل ثمة بابٌ للخروج؟ أم أن الخلاص شعور جواني يحتكم لمعيار الواقع، هل علينا أن نكون فلاسفة وننظر إلى الكون بوصفه نكتة عظيمة ومآلاً حتمياً منتهاه الموت؟ أم علينا أن نستشرف الحياة بحلقتها الأخير ونندك عند ماهيتها؟ أم نبحث عن حيز متمرد لنكون من خلاله؟ نافذة واحدة تكفي لاقتراح الضوء، بل نقطة مضيئة في عتمة الأشياء تعادل شمساً بأكملها.
الممكن نسق نفسي لهذه الروح العليلة التي تريد المغادرة لتنجو، ولا أريد أن أدخل في مضمون النص وأفصّل توابعه وأثره لكنه إدانة ضد حفنة الحروب والموت الذي لحق بالعراق وأهله وأنا هنا أشير إلى عمومية الحروب التي أكلت شعوب العالم بأسره لكني مررتها من خلال بلدي. أما فيما يخص اقتناعي بالإهداء فأنا هنا ليس محل تقييم لمادتي بقدر ما هو عتبة ومثابة أولى للدخول بالصراع والمخاض الذي يحمله المتن.
* هل الأوضاع التي على السطح هي التي تحقن الكاتب بما يكتب بما يدور حوله وخصوصاً أننا أصبحنا في الوقت الحالي عالماً واحداً رغم تباين الأحداث ا لجسيمة التي تفرض تباين المشاعر حول الحدث وخاصة ما ينتج عن الحرب؟
- الأديب ابن هذا العالم لا يستطيع أن ينفك منه أو يهرع عن قضاياه، هل ينتحل واقعاً مغايراً لينافق نفسه وواقعه فيكون بوقاً على حساب إنسانيته؟ بالتالي إن عنصر المكان عنصر مهم في تنشئتي وتربيتي ليتسق المضمون حيال النص المدون وهنا تكن العملية تراتبية غير خاضعة للبس، لكن علينا أن نؤمن إيماناً مطلقاً أن مأساة الإنسان واحدة في جميع بقاع المعمورة ومصيره واحد أيضاً إذا قيس بالمعنى الفلسفي للمفهوم إزاء تعرضه لمحن تترى كالحرب والعنصرية والجوع والتهجير ... إلخ.
* هل ترى بطرحك للقضايا الاجتماعية مثل: (استغلال جهل البسطاء وشحن الأمل بداخلهم من خلال ما يصف لهم العطار أو الحواج, ورجال الدين الذين يضعون على وجوهم الأقنعة, الفقر, البطالة, زواج القاصرات بمن هم أكبر منهم, هروب الفتاة من عش الزوجة, و يرها الكثير من المواضيع الاجتماعية ألا ترى أن في ذلك معالجة للهم الإنساني المشترك في القصة العربية, فكيف يختلف الطرح من كاتب لكاتب آخر عن ذات المواضيع؟
- بالتأكيد، وهذه مسألة لا تخضع لمقياس الزمان والمكان لذا نجد أن ملاحها جلية منذ بزوغ الخليقة لحد يومنا هذا وأصبحت موضوعات إشكالية لكنها غير مستهلكة غير أن طابع الاختلاف يأتي من حصالة الأديب الثقافية وذخيرته المعرفية وطريقة العرض ومعالجته لقضايا كهذه، بل حتى اللغة أيضاً إذا التزم الحكم بها كمعيار جمالي لها وقعها.
* ماذا تقول عن تعدد قنوات النشر اليوم؟
- أنا مع أي فعل معرفي تنويري يطمح لتصدير الجمال وصناعة هوية ثقافية محترمة عالية تدحض حالة الركود وتوئد جميع السياقات الرجعية التي سوّرت المشهد بعموميته، شريطة أن تكون هذه المشارب ملتزمة بمعايير فنية محضة وغير خاضعة للمجاملات والإخوانيات!
* ما هي الرؤية التي ترسمها لنفسك الكاتبة المبدعة كل عام, أم أنك تمشي في الطريق دون أن يكون لك خطط تقودك إلى نهاية متوقعة؟
- الإبداع حالة وعي غير خاضع للدرس والشرط، إنّه طقس ديالكتيكي لا يُرسم بخطط آنية أو مستقبلية قد تكون هناك أفكار مبيتة للشروع بمشاريع مؤجلة أو تدوين بعض من النتف كبداية مقيدة لفرشها فيما بعد، غير أن هذا الطريق يضاء بالقراء المنتقاة والمواظبة على المتابعة لما هو جديد ومثمر.