سهام القحطاني
«نحاول أن لا نعمل إلا مع الحالمين، الذين يريدون خلق شيء جديد في هذا العالم»
سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان
أصبحت جهود وزارة الثقافة لا تخفى عن الجميع رغم أن الوزارة عمرها قصير إلا أنها قطعت أشواطا في تأسيس قاعدة تنموية تنطلق منها خلال مشاريع الشراكات سواء مع الآثار أو الترفيه أو التعليم، وهذا مؤشر على جهود القائمين على الوزارة بقيادة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وصحة استراتيجياتهم وخططهم التنموية التي تسير بمحاذة أهداف رؤية 2030 النهضوية.
إن فكرة التقاطع بين التعليم والثقافة فكرة حصّلناها من الاتجاهات القديمة التي كانت تسيطر على التعليم في زمن اختلف الجميع في صفته، وحتى لا أقع في فخ جدلية وصف ذلك الزمن فسأركز هاهنا عن آثاره وخاصة في «التعليم» الذي ظل مسورا بأفكار ومعتقدات عطّلت قدرات طلابه وطالباته.
إن «العقل الحفظي» هو ما كانت تسعى إليه المناهج في زمن ما قبل الرؤية وهو عقل ترتب عليه ثنائية «عليك أن تؤمن بما تحفظ»، وهي ثنائية حّرمت التفكير والنقد والإبداع؛ باعتبار أن الأوائل لم يتركوا للأواخر بقعة ظلمة ولا مسألة اختلاف ولا مساحة تأويل، وهي اعتبارات أنتجت فكرا جامدا متطرفا حدّيا، فكرا ألغى الاختلاف والتأويل والتجديد، فكرا أوقع الكثير من شبابنا في دوائر المتاهات لتلتهمه كثبان الصحراء الحارقة.
ما يميز التعليم النهضوي هو قدرته على خلق «عقل مفكر ناقد مبدع ومبتكر» وهذا الحاصل النهائي ليس مسؤولية التعليم فقط بل هو مسؤولية الشركات التنموية المختلفة في المجتمع، وهذا المبدأ الجديدة للتعليم الذي ينطلق من مبدأ الشراكة التنموية بين قطاعات المجتمع هو الذي بنت عليها رؤية 2030 فلسفة التنافسية العالمية، ليُصبح التعليم ترسا في عجلة التنمية ورافدا من روافدها والتعليم هو القطاع الوحيد الذي يقوم بهذين الدورين من بين قطاعات التنمية في المجتمع.
إن مبدأ التنافسية العالمية التي تأسست رؤية 2030 في ضوئها في كافة القطاعات بما فيها التعليم اعتمدت على مستويين هما: التكاملية في ضوء قطاعات التنمية المحلية والتكاملية على مستوى قطاعات التنمية العالمية، وهو ما يعني أن التعليم هو شريك أساسي لكل قطاعات التنمية في المجتمع من ثقافة وبحث ابتكار وصحة وسوق عمل ورياضة وترفيه.
فالتعليم يجب أن يدعم الخطط التنموية لتلك القطاعات، وفي المقابل تلك القطاعات عليها أن تساند التعليم من خلال إتاحة الفرص لمشاركته في خططه التنموية وتطلعاته المستقبلية؛ ليصبح قادرا من خلاله مخرجاته أن يكون رافدا حيويا لتطوير تلك القطاعات.
ومن هنا سعت تلك القطاعات لتكوين شراكة مع التعليم ومن أهم تلك القطاعات وزارة الثقافة.
إن المجتمعات لا تنهض إلا بالعلماء والمبدعين والمهارة في كل مجال، والتعليم فاتحة كل مهارة ومكتشفها وصاقلها، ومن هنا تبرز أهمية وقيمة مشروع الشراكة بين التعليم ووزارة الثقافة من خلال مسابقة المهارات الثقافية، هذه المسابقة التي ترعاها وزارة الثقافة من خلال وزارة التعليم لاكتشاف المواهب في المهارات الثقافية التي حددتها الوزارة وهي؛ الأفلام والأدب والفنون البصرية والموسيقى والمسرح والتراث، وتكريم البارزين فيها بمبالغ مالية.
وأهمية هذه المسابقة تكمن في الأثر الخفي الذي تخلقه في فكر الطالب والطالبة بقيمة الإبداع الأدبي الذي أصبح يتلاشى من عقول وقلوب طلابنا وطالباتنا مع وهج مواقع التواصل وتطبيقاتها من ناحية، وقيمة الإبداع في الفنون الحديثة وفتح مساحات الابتكار والإضافة فيها مثل التصوير والموسيقى والتراث، وإضافة وعي جديد لدى الطالب والطالبة بقيمة الموهبة الإبداعية في تميزه بعدما ظلّت بعيدا عن دائرة الضوء لمصلحة الحفظ والنسخ والتكرار.
ومع قيمة وأهمية هذه الخطوة من وزارة الثقافة ونجاح هذه الشراكة مع التعليم في تحفيز المواهب، أتمنى أن تتسع هذه الخطوة وإجراءاتها من خلال إتاحة وزارة الثقافة شراكة مباشرة مع جمعيات الثقافة والفنون والأندية الأدبية في كل مدينة مع إدارات التعليم من خلال استثمار مسارحها للتدريب وفرقها الفنية وقاعاتها؛ فأغلب المدارس لا تحتوي على مسارح ولا قاعات.
مشاركة تدريبية من قِبل أعضاء الوزارة المؤهلين وخاصة في مجال الموسيقى والمسرح لتدريب الطلاب والطالبات الموهوبين في هذين المجالين لعدم وجود كوادر مؤهلة في المدارس.
أتمنى ألا ينتهي دور وزارة الثقافة للمواهب البارزة من خلال التكريم المادي بل رعايتهم وتقديم دورات تدريبية محترفة لهم من خلال متخصصين وإبرازهم ومشاركاتهم في فعالياتها الثقافية، ومساعدتهم في نشر موهبتهم من خلال طباعة أول مؤلفاتهم الإبداعية من قصص وروايات ودواوين، وفي مجال الموسيقى والتمثيل عقد شراكة مع الشركات المتخصصة في هذا المجال لإبراز تلك المواهب على أرض الواقع وتبنيها فنيا.
إن مسابقة المهارات الثقافية هي أول الخطوات في شراكة التعليم ووزارة الثقافة، شراكة ستتطور مع السنوات المقبلة، فالتعليم والثقافة هما جناحا نهضة الشعوب.
شكراً لوزارة الثقافة على هذا الوعي بقيمة الإبداع في التعليم وشكراً لكل من أسهم في مشروع هذه الشراكة.