د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
بدعوة كريمة من مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية تشرفت بزيارة المجمع للاطلاع على منصة المعاجم العربية، وكان ما عرض علي من إمكانات هذه المنصة مدهشًا مبهجًا واعدًا بالخير للعربية وطلابها، فهذه المنصة ستمكن المطلع من الاستفادة بكنوز المعاجم في يسر وسهولة من غير أن يكون عالـمًا بكيفية استعمال المعجم، ومعاجمنا القديمة مختلفة في أنماط الدخول إليها فمنها ما يعتمد على مخارج الأصوات ومنها ما يعتمد القافية ومنها ما يعتمد فاء اللفظ، وليس على المطلع إلا أن يكتب الكلمة التي يريد فتنداح أمامه المعاني، وله أن يكتب جذر الكلمة، تنسدل للمطالع قائمة يختار مطلبه من الكلمة معناها العام أو شواهد المعاني أو ما شاء مما تتيحه المادة المكتوبة.
والمنصة عمدت إلى تنسيق محتويات مواد المعاجم وفاق مطالب متعددة مراعية في ترتيب معاني اللفظ نسبة شيوعها في الاستعمال؛ وذلك اعتمادًا على مدونة ضخمة، وهذه المدونة ستكون في خدمة الباحثين، وبرئت المنصة بتنظيمها هذا من ركام الكلام في المادة المعجمية القديمة، وفي المنصة مجال لإضافة معاجم أخرى تخصصية أو خاصة، واطلعت على مراحل معالجة اللفظ حتى يأخذ موضعه من المنصة. انتهت الساعة المخصصة لشرح عمل المدونة وآليات الإنجاز، وبقي في الذهن آمال لعل القائمين على المنصة ينظرون في أمرها.
من هذه الآمال أن تكون المنصة بمحتواها مرنة تتكيف وأعمار الطالبين، فيكون مدخل يبين سن المستعمل؛ فيتكيف المعجم بما يناسبه من المواد اللغوية والوسائل البصرية والسمعية المبينة للألفاظ والتعابير.
ومن الآمال أن يكون ثمة مدخل يعرض المواد المعجمية مطابقة لورودها في أصولها الورقية.
ومن الآمال أن تدخل معاجم اللغة المحكية وموسوعاتها، معاجم الألفاظ، ومعاجم الأمثال والكنايات والتعابير، وغيرها، والذي أعرفه أن الشيخ محمد بن ناصر العبودي حرر في اللغة المحكية عشرين مجلدًا ما زالت مخطوطة، غير المعاجم الأخرى التي نشرت عن الحيوان والنبات والأشجار والمواقع وسائر جوانب الحياة الأخرى، كل ذلك جديرة المنصة بأن تكون هادية إليه.
ومن الآمال أن تستوعب المنصة معاجم الدخيل ولدينا في هذا الميدان معاجم قديمة ومعاجم حديثة منها ما عالج الدخيل في اللغة المحكية.
كنت أظن زيارتي تنتهي بنهاية الساعة المخصصة لها؛ ولكني فوجئت بأني مدعوّ دعوة كريمة أخرى إلى لقاء الأمين العام للمجمع الأستاذ الملهم الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي، والدكتور تشرفت قبلُ بصحبته في مركز الملك عبدالله العالمي لخدمة اللغة العربية، إذ كنت عضو اللجنة الاستشارية وكان هو مقررها ثم عضو لجنة الأمناء وكان هو مقررها أيضًا، عرفته رجلًا واسع الأفق لَمّاحًا، بالغ الذكاء في تعامله وتخيره وقراراته، يتفانى في العمل تفانيًا مدهشًا رأيته في الطيارة ملازمًا حاسوبه يكتب ما شاء الله له أن يكتب، وهو على فضله وقدره متواضع كل التواضع لا تفارق الابتسامة طلعته البهية، حين كنا على بابه رأيته واقفًا يستقبلني بأريحية وترحيب يثلج الصدر ويسر الخاطر ويبهج النفس، أجلسني ليحدثني حديثًا زوى فيه مشاريع المجمع ونشاطاته وآماله وتحدّياته، حدثني عن ثلاث المجلات التي يصدرها المجمع، وعن نشاط المجمع في نشر الأعمال الجياد، قال رأيت تغريدتك عن رسالة أسامة شيراني فوجهت للاتصال به لنشرها ثقة بما أثنيت به عليها، وهي ثقة أعتز بها كثيرًا هي تاج يكلل رأسي، وقد سبق أن نشر مركز الملك عبدالله غير كتاب لأن الدكتور رعاه الله رآني أثنيت عليها.
ولم يكتف الأمين رعاه الله ووفقه بالشرح والبيان بل صحبني هو نفسه في جولة إلى أرجاء المجمع وجوانبه، فزرنا جناح تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وهو جناح مزود بالوسائل الحديثة، وزرنا جناح الذكاء الصناعيّ، وهو مجال واعد بل هو مستقبل العالم الآن، ودخلنا غرفة العالم الافتراضي، قال الدكتور الوشمي إن المرء يلبس على رأسه خوذة أو نظارة تنقله إلى عالم حيّ فيزور المكتبة إن شاء، بل يمكن أن يدخل في الكتاب بين الكلمات أنفسها، كانت هذه الغرفة في طور التجهيز، ولعله تتاح لي تجربة هذا إن كان في العمر بقية.
وذكر حفظه الله أن المجمع يعد معرضين للغة، أحدهما للكبار والآخر للصغار، وأخذني لجناح الصغار، وكان العمل يجري لإعداده، قال إن الطفل هنا سيتعرف اللغة باللعب، وليس كاللعب بوابة إلى عقل الصغير وقلبه.
لم يكن الدكتور الملهم عبدالله الوشمي ليحقق من النجاح ما حققه لولا ذكاؤه وخبرته في تخير عناصر شابة من أبناء وبنات الوطن لينهضوا بأعمال المجمع مع الاستفادة من خبرات الشيوخ وتجاربهم. وفق الله الدكتور الوشمي والعاملين معه وألف شكر للزيارة المباركة.