يلعب الأدب دوراً مهماً لقياس الحالة الفكرية لدى المجتمعات في العالم, ففي أمريكا مثلاً أجرى معهد بيو للأبحاث استطلاعاً عام 2022 يقول إن 72 % من الأمريكيين يقرؤون للمتعة وهو معدل يحمل في دلالاته المتعة الأدبية وليست الأكاديمية الصرفة, لذلك نجد أن في أمريكا 10 آلاف نادٍ للقراءة بواقع نادٍ واحد للقراءة كل 33 ألف نسمة, بينما قدم الشريك الأدبي هنا في المملكة رقماً آخر يدعو للفخر فعدد الشركاء الأدبيين تجاوز الـ 1475 شريكاً أدبياً يخدم كل شريك بوصفه مقهىً أو مجتمعاً أدبياً صغيراً كل 23 ألف نسمة وبحضور 54416 شخصاً في جميع فعالياتها بالإضافة إلى إلقاء أكثر من 1450 أديباً للمحاضرات خلال عام واحد فقط وهو عدد غير مسبوق في الأنشطة الثقافية مقارنة بما قبل عام 2017م.
نعم لقد شهدنا الركود وأحسسنا به وتذوقنا مرارة أن يمر الوقت والحراك الثقافي ساكناً والمشهد ثابتاً وما هو متحرك في تلك السنوات كان بعض المجهودات المشكورة بالإضافة إلى الأعذار والمبررات فقط، وما أن انبثقت شمس الرؤية 2030 وصدح دوي أهدافها النبيلة في كل مكان حتى تحرر المشهد الثقافي وعوضنا عن تلك السنوات الماضية بهذه الأرقام الكبيرة والتي تعكس لنا بأن جميع مبررات عزوف الناس عن المحاضرات الثقافية ليست سواء أعذار واهية، وأن احتياج المتلقي هو بيئة احترافية وعمل مضنٍ يتركز في قدرتنا لجذب المهتمين بطريقة عصرية غير تقليدية.
يوم الأحد القادم هو الحفل الختامي الثاني لمبادرة الشريك الأدبي إحدى المبادرات والقفزات العمودية لهيئة الأدب والنشر والترجمة بوزارة الثقافة، التي أجدها من وجهة نظري من أهم المبادرات القائمة وأكثرها حيوية والتي تحولت إلى شريان يقف خلف الأدباء والمبدعين، لقد رأينا فعاليات تقام في مناطق نسيها المشهد الثقافي وأصبح أعداد الحضور لها يتفوق على ما كان معروفاً من عزوف الناس عن الثقافة والمعرفة، ورأينا مثقفين يجوبون مدن المملكة معبرين عن أطروحاتهم، وفي المقابل رأينا أسماءً جديدة تشق طريقها إلى المتلقي وشتى أنواع الموضوعات في الحقل الأدبي.
لقد أنصفت هذه المبادرة الكريمة الجمهور المعرفي التواق للمعرفة بأن أزاحت الاستثنائيات والامتيازات وجعلت الأدباء في مستوى واحد متوازياً مع المتلقي ليقدموا محاضراتهم ولقاءاتهم في ظل هذه الوفرة وهذا الدعم السخي من هيئة الأدب والنشر والترجمة.
** **
- إبراهيم المكرمي