د.محمد بن عبدالرحمن البشر
توفي معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وزير الزراعة الأسبق، وكان فقده مؤلماً بحق على أهله ومحبيه، وطلابه وزملائه ومعاصريه، وقد نشأ في بيت علم، متسلسل، فوالده الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن رحمه الله، كان وزيراً للمعارف، وإمام في الحرم يؤم الحجيج كل عام، وقد بدأت البعثات إلى الخارج، بتوجيه من ولاة الأمر في ذلك الوقت رحمهم الله جميعاً، وعمه الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ، تولى وزارة المعارف بعد أخيه الشيخ عبدالعزيز ثم وزارة التعليم العالي، وكان رحمه الله كثير التيسير، لين العريكة، انطلقت في وقته البعثات بأعداد كثيرة جدًا، وكان الدعم المادي والمعنوي في ذلك الوقت للبعثات ليس له حدود مستفيدين من الوفرة المالية المتاحة واستغلالها في بناء الفرد، ومنها برز أعداد من المتعلمين أسهموا في مسيرة البناء.
معالي الدكتور عبدالرحمن كان من نتاج الرعيل الأول من البعثات، وتلاه أخوه معالي الوزير محمد بن عبدالعزيز آل الشيخ الذي أصبح وزيراً للبلديات في فترة من الزمن، كما أن أخاه الدكتور عمر طبيب بارز في الجلدية، وبيئة علمية كهذه مع جبلته التي جبل عليها تكونت شخصيته التي عرف بها، وتركت طابعا على ما تقلده من مهام، وكذلك على من حوله ممن تعاملوا معه.
تاريخ معاليه وسيرته، قام بتسطيرها في كتابه الذي أصدره، وربما يمكنني أن أضيف شيئا غير ما كان مكتوبا في الكتاب، فقد كنت أحد طلابه في كلية الزراعة، بجامعة الملك سعود، وأصبحت معيدا على يديه، وعرفت ملامح شخصيته، وكفاءته الإدارية، ثم انتقل إلى العمل وكيلاً لجامعة الملك فيصل، والحقيقة أنه كان وكيلا بمثابة مدير، حيث لم يكن بها مدير، فهو رأس الهرم بها، وكان عليه أن يبني جامعة من الصفر بتوجيه وتيسير من ولاة الأمر، رحم الله الجميع، فانطلقت الجامعة بسرعة فائقة، كما هي عادته في سرعة الإنجاز وقد استقطب عددا من زملائه للعمل معه، كما جمع عددا من طلابه في كلية الزراعة بجامعة الملك سعود، وعينهم معيدين وأرسلهم على عجل إلى الخارج ليكونوا نواة لقيادة الجامعة فيما بعد، وكان له ما أراد، وكان من نصيبي أيضاً أن أدرس في جامعة الملك سعود، ثم جامعة الملك فيصل، على خطاه، فازددت معرفة بشخصيته، ونظرته، وبعد أن عين وزيراً للزراعة، تأكد لدي أن تغيراً كبيراً سوف يحدث في المسيرة الزراعية بدعم من ولاة الأمر، رحم الله الجميع.
كانت الموارد في ذلك الوقت كبيرة، وكان القطاع الزراعي والمائي يحتاج إلى انطلاقة لمواكبة التسارع الهائل في التنمية الذي يستوجب توفير المياه التي تضاعف استهلاكها مرات عديدة بسبب زيادة استهلاك الفرد الواحد، وقدوم أعداد كبيرة من الوافدين الذي يعملون في القطاعات المختلفة، وزادت فاتورة استيراد السلع الغذائية، لم تكن شخصية الدكتور عبدالرحمن تسمح له بأن يبحث عن حلول آنية، أو أن يتوقف عند حل الأزمات، ولهذا فقد كان الأمر يتطلب تغييرا شاملا وانطلاقة كبيرة وسريعة.
كنت في ذلك الوقت أستاذا في الجامعة، وعلى علاقة شخصية معه رحمه الله، لمعرفتي به السابقة منذ أن كنت طالبا ثم معيداً، ورأى أن انتقل نائبا لمدير صوامع الغلال، فتم ذلك، وكنت في كل يوم أذهب إليه في مزرعته بالدرعية قبل المغرب بنصف ساعة، أو كما يقال بالعامية مسيان، لنمارس رياضة المشي في المزرعة، ثم نصلي المغرب معاً، وكل يذهب إلى منزله، وكان حديثنا جله ينصب على الزراعة، والمياه.
كان حل مياه الشرب أمراً غير يسير، لأن فيه سباقا مع الزمن حول سلعة لا يمكن استيرادها، وكان الحل الأوحد هو مياه التحلية، فكان تحدياً كبيراً، وهو رجل مقدام، يحاول تخطي العوائق والحواجز دون انتظار، ومن المعلوم ان هناك ميزانيات محددة لا سيما بعد انخفاض سعر النفط، وانخفاض الموارد المالية، لكن استهلاك المياه يزيد بشكل ملحوظ، وكان يردد على مسامعي هذه مياه لشرب البشر لا تخضع للميزانية، فمن أين يشرب الناس في السنوات العشر المقبلة، إذا توقفنا عن بناء محطات تحلية كافية، ولم يكن ذلك الأمر أيضا مقبولاً لدى وزارة المالية، وهذا أمر طبيعي لأنها تريد أن توزع ميزانيتها على أوجه التنمية المختلفة لكنه استمر في بناء المحطات بشكل كبير، وكان الأثر الإيجابي باقيا حتى وقتنا الحاضر، وأصبحت المملكة تستهلك أكثر من 75 في المائة من مياه التحلية في العالم، ولا أعلم كم هي النسبة الآن. وانطلق في المجال الزراعي بتوسع هائل مستغلا الثانية الحديثة من محاور الري، لإنتاج الحبوب والأعلاف، وأصبحت بالمملكة أكبر مزرعة ألبان في العالم، وأيضا ثاني مزرعة، وربما ثالثة، وأكبر مشروع دواجن في العالم، وانتشرت البيوت المحمية، ومن الطبيعي أن يصاحب المشاريع الكبيرة وفائقة السرعة بعض الآراء الوجلة، لكنه رحمه الله دائما ما يقول أن تتخذ قرارات وتخطئ في 10 في المائة منها، خير من التقوقع والخوف وعدم اتخاذ القرار، والأخطاء يمكن تصحيحها فيما بعد.
كان يكظم غيظه بشكل مذهل، ولا يرفع صوته عند الغضب، ولم أسمع منه كلمة نابية قط، لكنه يفعل بحزم شديد، إن أقبل فوعاء جود، وإن أدبر لا يعود، كان والدا في رعايته، وأخاً كبيراً في توجيهه، ورجلاً حازماً في إدارته، رحمه الله رحمة واسعة، وغفر له، وأحسن مثواه، وجمعنا به في الجنة.