د. عبدالحق عزوزي
ارتفع عدد الضحايا المدنيين الذين قتلوا في بوركينا فاسو إلى 40 قتيلاً، خلال أسبوع واحد في هجوم على عدة قرى في شمال البلاد؛ كما قتل ثلاثة وثلاثون جندياً في هاته البلدة منذ أسابيع في هجوم على موقع عسكري شرق البلاد، وقال بيان للجيش إن الجنود الذين حوصروا في الهجوم قتلوا ما لا يقل عن 40 «إرهابياً» قبل وصول التعزيزات. وتعد بوركينا فاسو واحدة من عدة دول في غرب إفريقيا تقاتل تمردا عنيفا من المتشددين.
ولمواجهة الهجمات الجهادية التي تشهدها بوركينا فاسو، أصدرت السلطات الانتقالية مرسوما يقضي بـ»التعبئة العامة» بغية «إعطاء الدولة كلً الوسائل اللازمة». وجاء في بيان للرئاسة نُشر عقب اجتماع لمجلس الوزراء أن «المرسوم يتعلّق خصوصا بإعطاء إطار قانوني لجميع التدابير التي يتعين اتّخاذها للتعامل مع الوضع الذي تشهده بوركينا فاسو».
كما تشهد مالي أعمال عنف جهادية وموجات تمرد منذ العام 2012؛ واتسع نطاق العنف من شمال البلاد إلى وسطها وإلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.
وأوقع النزاع في المنطقة آلاف القتلى بين مدنيين وشرطيين وعسكريين، كما هجّر أكثر من مليوني شخص؛ وتعاني البلاد أيضاً أزمتين إنسانية وسياسية.
وأعلنت مؤخرا «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن هجوم أدى إلى مقتل مدير مكتب رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي قرب الحدود الموريتانية وعن كمين آخر أسفر عن مقتل سبعة جنود.
والجميع بدأ يشعر بخطورة الإرهاب المتواصل في المنطقة... فالدول هناك دول ضعيفة، والمؤسسة الأمنية غير قادرة على حماية حدودها بتمكن، ولا على محاربة تغلغل الحركات الإرهابية العابرة للبلدان والقارات. وإذا كان التدين الصوفي الشعبي (القادري- التيجاني..) هو الحاضر منذ القدم في تلكم المجتمعات لعوامل تاريخية، فإن الاتجاهات المحافظة المتزمتة بدأت تطرق أبواب تلك الدول بطريقة مثيرة، إلى أن وصلتها الجماعات والحركات الإرهابية القادمة من الجزائر والصومال والنيجر، وهي اتجاهات لم تعهدها دول في السابق كالنيجر حيث يمثل فيه المسلمون 60 في المائة وهم مالكيون سنيون، وبوركينا فاسو، والمسلمون فيه مالكيون ومتصوفون بطبيعتهم حيث تسود علاقة الشيخ والمريد. ولا يخفى على كل متتبع للأنظمة السياسية في هاته المنطقة الجغرافية الحساسة الممتدة بين ليبيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فوسو أنها أنظمة خاوية على عروشها لا من حيث التمثيلية السياسية ولا من حيث الإمكانات الاقتصادية ولا الحضور الأمني الفعال في داخل المدن وعلى الحدود، لتبقى فريسة للتنظيمات الإرهابية التي بدأت تنظر إليها كمنطقة صالحة للاستيطان واستقطاب البشر.
ويقع كل هذا تزامنا مع ما يجري في النظام العالمي الجديد؛ إذ أضحى الانسحاب العسكري الأجنبي في دول الصراعات قاعدة سياسية للعديد من دول العالم بما في ذلك أمريكا وفرنسا... فلا يوجد أي سبب استراتيجي مثلا يدفع الأمريكيين إلى إعادة نشر قواتهم في أفغانستان لأن هذا كان سيشكل «انتحاراً سياسياً» لجو بايدن؛ كما أن تأزم الأوضاع في منطقة الساحل والرياح العاتية المناهضة للتواجد الفرنسي هناك، أدى بالرئيس الفرنسي إلى أخذ قرار الانسحاب العسكري من المنطقة.
ولا جرم أن تصبح منطقة الساحل قاعدة للهجوم والتوسع المهول للجهاديين المرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و»الدولة الإسلامية»، خاصة وأن العديد من تلك المناطق هي مناطق صحراوية شاسعة مهملة من السلطات المركزية لضعفها وضعف إمكاناتها البشرية والمادية.
إن عودة الجهاديين المتطرفين إقليميا ودوليا مسألة وقت، كما أن أمريكا وفرنسا والفاعلين الكبار في النظام العالمي يعرفون ذلك جيدا ويعرفون خطورة كل هذا؛ وستملك المجموعات المتطرفة المقبلة مناطق شاسعة وفرقا قتالية قوية متخصصة في الهجمات المحلية والدولية وعتاداً عسكرياً كبيراً... فكل شيء يتطور بسرعة فائقة والتاريخ يعيد نفسه للأسف الشديد والنظام العالمي سيصبح رهين المصالح السياسية للدول الكبرى وعودة الأنانية وقواعد اللعب الإستراتيجية الخبيثة والخطيرة خاصة مع دخول روسيا إلى المنطقة لملء الفراغ الاستراتيجي الذي تركه انسحاب القوات الفرنسية وتوقف النظارات الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة عن العمل...