سارا القرني
في شتى أنحاء العالم يعد الاستفزاز عملاً مشيناً تجاه أي شخص مهما كانت دوافعه، وتعدّ نوعاً من أنواع تأجيج المشاعر بطريقة سلبية ومقززة أحياناً، مما ينتج عنه ردود أفعال تضع فاعليها تحت المساءلة القانونية. نعم.. نرى ونسمع كثيراً عن قصص عشناها أو عايشنا أصداءها في برامج التواصل الاجتماعية عن مرتزقة القانون، وأسميهم مرتزقة لأنهم يتصيّدون أخطاء الناس حتى يقاضوهم ويتكسبوا من ورائهم بقوة القانون، ورغم وجود المقولة الشهيرة «القانون لا يحمي المغفلين» إلا أنّ القانون أيضاً لا بدّ أن يقف في وجه المتصيدين والمتكسبين من استفزاز الناس.
في تويتر نجدُ الآراء تُطرح ويتم تداولها بشكل من أشكال الحرية السليمة، حتى يدخل غمارها متصيدٌ متمرس، يستفزّ برأيهِ جهةً أو مجموعةً أو شخصاً بعينه بذكاء.. كي يوقعه بالخطأ، ثمّ يرفع عليه قضيةً يتكسب منها، ولا يقف عند هذا الحدّ.. بل ربما امتهنها مهنةً تُغنيه عن العمل والشقاء، فهي لا تحتاج إلا هاتفاً وضميراً غائباً والسلام!
أحد الإعلاميين الرياضيين منذ فترة.. خرج على الملأ ليخبرنا عن صديقه المحامي الذي أخبره بأنّ صحفياً يكسب شهرياً أكثر من 250 ألف ريال جراء استفزاز جماهير أحد المدرجات، ونجد في الساحة بعض المحامين يلعبون ذات اللعبة التي يلعبها هذا الصحفي، ونجد من يستفز النسويات ليوقعهنّ في الخطأ، ومن تستفزّ الصحويين ليوقعوهم في الخطأ.. وهلمّ جرّا!
في نظري الشخصي ربما كانت أحد أسباب ذلك عدم وجود لجنة دائمة للنظر في القضايا الإعلامية، وإنما لجان يتم تشكيلها بين فترة وأخرى، وكذلك عدم أخذ الاستفزاز بعين الاعتبار قبل النظر في القضية، ولا أتكلم هنا بمنظور المطلعة على كلّ الأمور.. لكنني أرى بعيني في وسائل التواصل ما يندى له الجبين ويشيب منه الرأس، فإثارة الجدل بغية الشهرة أمر.. والتكسب من ورائه أمر آخر تماماً!
قبل أيام خرج أحد الذين وُلِدوا وفي فمهم ملعقةٌ من ذهب.. ليستثير الناس بنظرته «السطحية» جداً عن الادخار وتصوير الناس بأنهم مبذرين لا يفقهون شيئاً في طريقة تدبير شؤونهم المالية، فطرح مثالاً عن أنّ 3500 ريال مثلاً تكفي عائلة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء.. لتحييهم حياةً كريمة من معيشة تتضمن الأساسيات كالهاتف وإيجار المنزل وكهرباء وقسط سيارة ورفاهية، والباقي من المدخول يتمّ ادخاره، وهذه الفلسفة -التي أسأل الله أن يحرمنا منها- كانت وما زالت محطّ سخريةٍ من الناس ومحطّ سخطٍ من الكثيرين غيرهم!
والعجب كلّ العجب أنه اعتزل النصائح بعد أن سخط الناس عليه، وأنا أجزم أنه لو تجرأ عليه أحد الذين يعانون فاقةً أو صعوبةً في تأمين حياة رائعة لأسرته.. لرفع عليه قضية وسلبه مدخرات عامٍ كامل كي يسدّد عقوبته القانونية!
ما زالت القوانين تشرّع لتحمي الناس وحقوقهم، لكن ما زالت هنالك ثغرةٌ أرى من الواجب الالتفات لها.. وهي نوعية القضايا التي يرفعها شخص واحد وبشكل متكرر تجاه عدد كبير من الأشخاص أو الجهات، لا بدّ من النظر في التاريخ القضائيّ للمشتكين حتى يعرفوا أنّ الاحتيال باستخدام القانون لن يمرّ مرور الكرام، وأنّ القانون سيحمي الناس من الاستفزازات قبل أن يأخذ للناس حقوقهم جرّاء الخطأ الواقع عليهم!