رضا إبراهيم
نظراً لاعتبار الخبر أحد أهم المفاهيم المتغيرة، سواءً باختلاف المكان أو الزمان، وطبيعة الحالة الثقافية للمجتمع، ومع تطور الخبر نتيجة للاختلافات التي أحدثتها وسائل الإعلام الجديدة، وبجانب اختلاف الجمهور اختلفت أيضاً وسائل الإعلام، وزادت سعتها وتنوعت قوتها التي أسهمت في اختلاف نوعية الخبر.
وبات الجمهور المستهدف هم الجهات الفاعلة والأفراد، ممن ستوجه الرسالة الإعلامية إليهم، وهي رسالة تتعلق بالمقام الأول، بكل ما يمس القضايا الوطنية الداخلية والخارجية، لتغيير اتجاهاتهم واعتقاداتهم وممارساتهم بصورة إيجابية، وجعلها تتوافق مع الأهداف العامة والإستراتيجية للدولة.
ويرتبط موضوع الإعلام الجديد بالانتقال التكنولوجي، كالذي حدث بعد ظهور المطابع والتلغراف والراديو والتلفاز والإنترنت، والتي قام الخبراء وأولو الأمر منهم بتقسيمها لوسائل تكنولوجية تقليدية ومستحدثة وجديدة، وكل هذا يرتبط بصورة وثيقة بالنظام الإعلامي الجديد، وقد اعتبر الصحافيون والإعلاميون وكل المؤسسات الإعلامية، هم المحرك الرئيسي والقوة الداعمة، لتوجيه وتفعيل دور الإعلام في بناء اتجاهات وسلوكيات إيجابية داعمة لكافة مؤسسات الدولة، وهم أيضاً لديهم القدرة والإمكانات على التأثير الإيجابي بالسياسة التنموية للدولة، عبر تقدير محتوى إعلامي يتناول القضايا موضع الاهتمام، بأسلوب مؤثر وجذاب.
والملاحظ هنا أن تعريف نموذج الخبر، قد امتد إلى أربعة نماذج أولها نموذج «المرآة» القائم على أن دور الإعلام هو نقل الواقع كما هو، دون ممارسة التغيير أو أي نوع من المشاركة في المادة الإخبارية، بينما الثاني يتمثّل في نموذج «النمط الاحترافي» الذي يفترض أن المحررين محترفون ولديهم قدرة كبيرة على صياغة الواقع، في شكل مواد إخبارية تتناسب مع الجمهور المستهدف، وعن النموذج الثالث فهو «النمط المؤسس» ويفترض أن مجموعة الضغوط الداخلية بالمؤسسة الإعلامية هي المسؤولة في الأساس عن اختيار الخبر وصياغته، مثل استخدام الدليل الأسلوبي، الذي تقوم بوضعه العديد من الصحف لمحرريها.
بينما يتمثّل النمط الرابع في «النموذج السياسي» ويفترض أن الميول الإيديلوجية للمحرر الإخباري من ناحية، وطبيعة ضغوط البيئة السياسية التي تعمل ضمنها المؤسسة الإعلامية من ناحية أخرى هما المحددتان لاختيار الخبر وصياغته، ويمكن لمتابعي وسائل الإعلام المختلفة فهم أنفسهم من خلال تلك الوسائل، وعبر استكشاف الواقع ورؤية الأشخاص الذين يشبهونهم، سواءً في العمر أو في الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية، ومراقبة كيفية مواجهة هؤلاء الأشخاص المواقف المختلفة أياً كانت طبيعتها وبالأخص المواقف الصعبة منها، وبالتالي يمكنهم التعرّف على أنفسهم، ومعرفة الأدوار التي ينبغي عليهم القيام بها، والشخصيات التي يريدون التشبه بها، والشخصيات الأخرى التي يرفضون التشبه بها.
وهناك من الأفراد ممن يستخدمون وسائل الإعلام، باعتبارها بديلاً للتفاعل الاجتماعي، كونها تمثّل صداقة بديلة أو تفاعل بديل، كالتعلق بشخصية سينمائية أو إعلامية أو تلفزيونية والتوحّد معها تماماً، سواءً في الآمال أو الآلام وكافة المواقف المختلفة، كما تزداد أهمية متابعة وسائل الإعلام لدى الأفراد الذين يعانون من العزلة، ويفتقدون التفاعل الاجتماعي الطبيعي.
والمعلوم أنه قبل تنامي مصطلح الأخلاقيات الإعلامية، كان شعار بعض الصحف ووسائل الإعلام (نحن نكتب ونحرر، والجمهور يقرأ ويشاهد) لكن اليوم بات الأمر يختلف تماماً عمَّا سبق، فمع التداول المستمر بضرورات احترام تلك الأخلاقيات الإعلامية، ومع ظهور الكثير من وسائل الإعلام التبادلية، صار القارئ أو المشاهد ناقداً ومحاسباً للصحيفة أو لوسيلة الإعلام، مهما بدت على مضمونها وتطبيقها للمبادئ المهنية.
والملاحظ أنه بعد أن باتت صناعة الإعلام في السعودية صناعة مهمة جداً، ذات ممارسة علمية ومهنية لها أهداف محددة وواضحة، تستهدف التأثير الإيجابي على المتلقي بالدرجة الأولى، وتقف ورائها مجموعات من الكوادر الإدارية والمهنية والإعلامية، لتقوم بذلك الدور البناء خير قيام، أنشأت الحكومة السعودية في عام 1971م وكالة الأنباء السعودية (واس)، كجهاز إعلامي حكومي، حيث شكلت تلك الوكالة أحد قطاعات وزارة الثقافة والإعلام السعودية.
وبعد مرور عدة عقود من الزمن، وتزامناً مع التطور الحاصل، أطلقت وكالة واس موقعها الإلكتروني، والذي تم تطويره في ديسمبر عام 2008م، حيث تمت إعادة وتصميم وإخراج ذلك الموقع، كي يشمل تبويب لكافة الأخبار بناءً على الموضوعات، ويتيح الموقع بجانب معرفة النصوص الخدمات المصورة والفيديوهات، وقد ضمت نسخة واس الإلكترونية نسخة «كفية» وروابط لمواقع وزارة الثقافة والإعلام والبث المباشر للقناتين «الأولى والإخبارية»، وإذاعات البرنامج العام والبرنامج الثاني وإذاعة (القرآن الكريم).
هذا بجانب قائمتين بأسعار العملات والتي تعتبر أبرز منجزات الوكالة، وقد أعطت الخطوات التي قطعتها واس منذ إنشائها عام 1971م، حافزاً مشجعاً لدفع الوكالة نحو تدعيم إمكاناتها وتكثيف خدماتها وتطويرها، لتلبية متطلبات المرحلة المقبلة.
كما سعت الوكالة إلى استقطاب كوادر بشرية مؤهلة صحفياً وفنياً، لتنشيط خدماتها الإخبارية، وأنشأت واس عام 1401هـ أقسام نشطة مثل النشرة الإنجليزية والفرنسية، بجانب استحدث أقسام جديدة كالتحرير الداخلي، أحدها يهتم بالشؤون الثقافية ومتابعة حركة النشاط الثقافي والمكتشفات العلمية بالداخل والخارج، وتغطية أخبار المؤتمرات العلمية وأي ندوات علمية وأدبية يتم عقدها، بينما الثاني تمثّل في قسم الشؤون الرياضية المكلّف بمتابعة الحركة الرياضية والشبابية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهناك القسم الثالث لمتابعة الحركة الاقتصادية وكل الأنشطة الاقتصادية، سواءً على الصعيدين الداخلي والخارجي.
تبعه قيام واس بإنشاء إستديو داخل مقر الوزارة بمنى، للقيام بتحميض وطبع وإرسال الصور الفوتوغرافية التي تمثّل نشاط الدولة في «الحج» إلى المركز الرئيس بمدينة الرياض، ثم توزيعها إلى وسائل الإعلام في الداخل والخارج، إذ تم ربط المشاعر المقدسة بالحاسب الآلي، كما تم ربط المناطق داخل المملكة والمكاتب الخارجية بالرياض، ما أدى لاختصار المسافة الزمنية، التي كانت تفصل بين وقوع الحدث الإخباري والمصور وتوزيعه على وسائل الإعلام، وواكبت واس تطور المملكة بكل مرحلة مهمة من مراحل نموها وتطورها، وعكست صورة حقيقية لواقع المملكة وشعبها، وباتت مرآة صادقة لنقل المعلومات بمختلف أشكالها لمواطنيها، من مواقع الأحداث في الداخل والخارج.
وقد خطت الوكالة منذ تأسيسها خطوات حثيثة، في اتجاه استكمال المقومات الأساسية لوكالة أنباء حديثة وفعَّالة، بحيث أصبحت خلال فترة وجيزة، المصدر الأول والأساسي للأخبار في المملكة العربية السعودية، كما اكتسبت خدماتها الإخبارية ثقة واسعة النطاق، لما تميزت به من تحري الدقة والموضوعية، وفقاً لأرفع المقاييس المهنية، وقد هيأ تقدم وسائل الاتصال السلكية واللا سلكية في المملكة إمكانات كبيرة لانتشار خدمات الوكالة الإخبارية بشكل سريع، داخل السعودية وخارجها، ووضعها في متناول مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
وكذلك في تلقي الدوائر الحكومية والمؤسسات المشتركة خدمات الوكالة اليومية، التي تبث من مقر الوكالة الرئيسي بالرياض، وسعت الوكالة منذ تأسيسها لإقامة علاقات تعاون وثيقة، مع وكالات الأنباء العالمية والعربية، والعديد من المؤسسات الإعلامية الأخرى، بهدف تنمية عملية التبادل الإخباري، والتدفق الحر للأخبار والمعلومات، وواس عضواً مؤسساً في اتحاد الوكالات العربية ووكالة الأنباء الخليجية، ووكالة الأنباء الإسلامية ووكالة أنباء الدول غير المنحازة، وتشارك الوكالة في المؤتمرات واللقاءات التي تعقد كل عام، لبحث آفاق التعاون المشترك بين وكالات الأنباء التي تنتمي لمختلف المجموعات العربية والأوروبية والأفريقية، والمؤتمرات الإعلامية المماثلة. وبجلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السابع من شهر رجب عام 1433هـ، أقر المجلس الموقر تحويل وكالة واس إلى هيئة عامة تسمى «وكالة الأنباء السعودية» لتصبح هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية، تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، يرأسها رئيس بالمرتبة الممتازة يتم تعيينه بأمر ملكي مباشر، وواس إحدى هيئات وزارة الإعلام المستقلة ويعمل بها نحو (600) فرد، ويرأس الوكالة رئيس بمرتبة ممتازة، يرتبط بمجلس إدارة يرأسه وزير الإعلام السعودي.
وقد لوحظ مدى ارتباط المجتمع السعودي، بوسائل الإعلام عبر المراحل الزمنية المختلفة، التي عاشتها السعودية في فترات نموها، ما أسهم في إكسابها مجموعة سمات مميزة جداً ذات العلاقة المباشرة بواقع تلك المراحل، وبما اشتملت عليه من أنماط ثقافية، تبلورت في القدرات الخاصة بالنشر والتلقي، بجانب أنماط اقتصادية كان لها بالغ الأثر في القدرات التقنية، لإنتاج الصحف والبرامج التلفزيونية والإذاعية، وتأثيرها على مستويات الدخل، وتوجهات الإنفاق والأنساق الاجتماعية، بحكم تأثيرها في كل فئات المجتمع قبل أن تتأثر به.
ولا يوجد أدنى خلاف على ما حظيت وسائل الإعلام السعودية بدعم من قادة الدولة، منذ بزوغ فجر الإعلام السعودي وحتى الوقت الحالي، ما جعلها تقوم بدورها الاتصالي مع المجتمع، وانتهاج سياسة حكيمة، ونقل المعلومة للمواطن بدقة وأمانة، لتتوافق بإطارها العملي مع الخبر ونقله للمجتمع عبر الجهات الحكومية لمقاومة المتغيرات السلبية، التي أثرت على المجتمعات في كثير من الدول الإسلامية، والنهوض بالمجتمع السعودي، وجعله في مصاف المجتمعات القوية القادرة على البناء.