رحلَ الراحلونَ..
دونَ مراسمِ الوداع..
دونَ إرتيابٍ، دونَ شكٍ، في اليقين..
* * *
مَضوا في طريقِ العائدينَ..
من الغيابِ، إلى الغِياب..
حضروا المأتمَ والعَزاء..
ثم قالوا:
ها قَد عُدنا من الغيابِ..
من بعدِ طولِ إنتظار...
* * *
قد تعبَ السُؤالُ، من السُؤال..
قَد أَنهكهُ السَفرُ المُباح..
قَد أَنهكهُ التَسكُعُ...
على الأَرصفةِ والطرقات...
والثباتُ بينَ أطرافِ النزاعات..
* * *
أنهكهُ الإنتظارُ...
عندَ حدودِ الغَيمات..
وسماعُ دويِ الإِنتصارات..
بين أطرافِ الطوائفِ، والعشائِر، والأفخاذِ..
* * *
قد بكى وطناً مسلوباً...
أضحى حياً..
شاهداً وشهيداً ..
يَبكى أماً وأباً...
قضوا بعيداً..
دونَ حزنٍ ووداعٍ..
* * *
هيَ النكبةُ تُلازمهُ أينما حلَّ وارتحلَ..
لا تُفارقُهُ حتى في المَنام..
قَد مضى عَليها دَهرٌ من الزَّمان..
هي بِضعٌ وسَبعونَ عاماً..
كُلهنَ عِجاف..
* * *
لكِنها بَقِيت...
تَصرخُ، أنا لم أَمُت..
ها أنا حَيةٌ، لم أَمُت..
كما يَشتهِي الخَصمُ، مَوتَ الحَمام..
أنا طائِرُ الفينيقِ، أبعثُ من قلبَ الرُكام...
ومن تحتِ الرَّماد..
* * *
أنا الذي أبحرَّ...
في مراكبِ الغرقِ...
أنا الذي ركبَ...
موجَ الأَخطارِ والأَهوال...
تَحدى شَرَّ الشَررِ والغُزاة...
أنا الذي غازَلَنيِ الموتُ من جميعِ الجِهات..
من الجنوبِ إلى الشِمال..
من الشَرقِ الذي كان..
إلى الغربِ الذي هان..
* * *
أنا اللاجِئُ الطَريدُ..
أنا الغريقُ، أنا الغريبُ..
في الوطنِ أو في الشَتات..
* * *
أنا الذي هَزمَ قواربَ المَوتِ..
ونَجا من الغرقِ والنِسيان..
أنا الذي إنتصرَ لِلفرحِ..
لِلحياةِ لِلنجاة..
* * *
أنا الذي بَللهُ قَطرُ النَدى..
أنا الذي هَتفَ لهُ سراةُ الليلِ..
أنا الثائِرُ الفدائيُ المِقدام..
أنا العينُ الساهرةُ...
أنا العَينُ التي لا تَنام...
* * *
أنا هُنا حَيٌ..
أنا هُنا باقٍ...
أشمُ رائحةَ الأرضِ..
ازرعُ القمحَ والوردَ والرُمان..
أسترجعُ جميلَ الذكرياتِ..
وظلَّ التينِ والزيتونِ والحِيطان..
* * *
لونُ الشَمسِ، كانَ لَوني، يومَ مَولدي..
أنا الذي ركلَ الظلامَ بِرِجلهِ..
أنا الذي أوقدتُ ناراً من دَمِي..
أخذتُ منها جَمرةَ الحَياة..
وجَمرةَ حُريتي..
* * *
ثم مَضيتُ أُغني، أُغنياتي..
أعزفُ على أوتارِ قِيثارَتيِ..
أعزفُ لحنَ أُنشودَتيِ..
* * *
هكذا جِئتَ يا يومَ مَولِدي..
لتكونَ عنوانُ ثَورتِي..
وأنتَ يومُ عَودَتيِ..