السكوت في وقته صفة الرجال، كما أن الكلام في موضعه من أشرف الخصال، والكلام أفضل لأنّه من باب التحلية، والسكوت من التخلية، والتحلية أفضل، والسكوت في نفسه ليس بفضيلة، لأنّه أمر عدمي، والكلام في نفسه فضيلة.
السكوت المطلق مخالف لطبيعة الإنسان وقد يتعارض مع رسالة الإنسان في الحياة، فالسكوت في بعض الأحيان مذموم أو حرام مثل السكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وما بعث الأَنْبِياء والأَوصياء بِالسكوت، إنما بَعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت ولا استوجبت ولاية بالسكوت ولا توقيت النار بالسكوت وإنما ذلك كله بالكلام.
الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر، وتخبر شواهده عن مكونات السرائر. الكلام هو عملية تفاعلية تعمل على بناء محتوى وموضوع يحتمل الإنتاج والاستقبال والمعالجة. إن الحياة مليئة بالتجارب التي تجعل الإنسان يحتاج إلى الكلام والعبارات ليعبر عما بداخله. ويتعلم الإنسان من الكلام لكي يعيش بشكل أفضل في المستقبل ولكي يستطيع أن يعبر عن ما بداخله في الحاضر.
الكلام بالخير أفضل من السكوت، لأن أرفع ما في السكوت السلامة، والكلام عن الحق واجب، وأفضل من الأعمال، وهو الوقوف على حقيقة المعنى. لم يكن السكوت في أي وقت من الأوقات فضيلة مطلقة، وللسكوت فضائله إذا كان المقام لا يحتمل الكلام، وتنقلب فضيلة السكوت إلى مأساة حين يتعطل واجب الأمر بالمعروف، وتغيير المنكر باللسان، فليس من السكوت في شيء أن يسكت الإنسان عن الحق.
للكلام مكانة عالية ومنزلة رفيعة عند الناس، فهو عند الله في جنات ونهر، لا يتكلم إلا بما يرضي رب البشر، والكلام عند الناس كالنبراس يضيء لهم طريق حياتهم ويغير أفكارهم ويقودهم نحو النهضة والتقدم حيث يكون المتكلم من عناصر الصلاح والإصلاح في المجتمع.
السكوت كان موجودا قبل أن يولد كل شي، وقبل أن يمنح الخالقُ الإنسان القدرة على الكلام، على الإنسان أن يفتح لسانه عند ضرورة الوقت، والساكت عن الحق شيطان أخرس، السكوت في وقت الكلام جريمة.
السكوت عن الحب ليس حباً من طرف واحد، بل هو تصرف خاطئ في حق من نحب، نشعره من خلالنا بإهماله ونتجاهله عكس مشاعرنا الحقيقية، إن هناك من طبق السكوت وعمل به مفضلا مبدأ السلامة وتجنب المتاعب، وأيضا هناك من يفضل السكوت بعد أن يتعب من الكلام والمجاراة، لكن في المقابل أليس السكوت لغة أهل القبور؟ أليس بالحوار والنقاش يُعرف المجتمع إلى أين يسير؟ أليس السكوت عن قضية فلسطين لغة المتآمرين عليها؟
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية ،كولكاتا - الهند