إيمان حمود الشمري
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل 125)، يكمن مفهوم الحكمة، في اللين بالتبليغ وعدم الإرغام وإعطاء الناس حق الاختيار، حيث يعزز ذلك المفهوم آية أخرى في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر 38). من جديد يعود الخطاب الديني لمساره الصحيح في لهجة الخطابة ونوعية المواضيع التي يتم التركيز عليها، لأننا نحتاج لتأسيس جديد في مفهوم الدين، حيث كان الخطاب الديني سابقا محتقنا، غاضبا ومحبطا ومؤججا للنفوس، وينظر للأمور بنظرة سوداوية وكأن الحياة توقفت فجأة، هذه النظرة انعكست على مجتمعنا فتسبب بنوع من الجفاء والقسوة في تعاملاتنا، فالسلوك الديني كأي سلوك يجب أن يخضع للرقابة، لأن الناس تختلف في الأفهام وفي تلقي المعلومة، وبالتالي سيحدث خطأ في طريقة النقل.
فالدين الإسلامي، دين يتسم بالتسامح والرأفة واللين الذي من شأنه أن يبني مجتمعا متوازنا أخلاقياً، متوازنا في ردود الأفعال وتقبل الأمور وتقبل حتى الطرف الآخر، ويحارب العنف والتطرف والإساءة للآخرين.
لهجة الخطاب الديني تغيرت وأصبحت أكثر نضجا واحتراما للعقل البشري، وأكثر رحمة في كسب القلوب لطريق الهداية والإصلاح دون عنف أو تخويف أو مبالغة أو بناء سياج شائك يفصلنا عن الغير، كنا باعتقاد أننا الأفضل!! متحاملين على الغير وعلى بعضنا، عنيفين بطريقة الحكم على المخطىء والنظر له نظرة دونية، فالدين ليس أداة تهديد أو نبذ أو مباهاة وإنما أداة إصلاح، وعندما تعطى هذه الأداة لأشخاص ليس لديهم فهم ووعي كافٍ وأخلاقيات تحكمهم، سوف يسيئون استخدام الدين وبالتالي يسيئون له ولصورة المسلمين، وهذا ما حدث بالفعل مع العالم الغربي، وأصبح همنا ومعركتنا الحقيقية معهم في إثبات النموذج الإسلامي المتوازن وتصحيح الصورة النمطية التي يعتقدها الغرب عنا.
كنا دائما نردد أن (الغرب فاهميننا غلط).. عندما بدأ الخطاب الديني في العودة للمسار الصحيح، وعدنا لفطرتنا السليمة، وأصبحنا أنفسنا، ومقتنعين بخطواتنا وتوجهاتنا التي تتوافق مع قيمنا الإنسانية وسعة إدراكنا، لم نعد نأبه بنظرة الغرب، طالما أننا متصالحون مع واقعنا وطبيعة حياتنا المريحة، ولم يعد يهم ما يقولون، لأن قناعتنا بأنفسنا سوف تنعكس تلقائياً على الآخرين.
متصالحون مع هذا التوجه المحاط بالرفق واللين، وأي خطأ فردي يحدث أو تمييع في السلوك، لا يمثل مجتمعا وإنما يمثل شخصا، ولن نتقبل العنف في لهجة الخطاب لأنه تلقائياً سيولد عنفا.