عبده الأسمري
كي نصنع الاعتزاز في عالم «الصحافة» فلا بد من صناعة «الإنجاز» في معالم «الحصافة» وحتى تكون صحافياً احترافياً عليك أن تحترم أسس وأخلاقيات ومواثيق «بلاط صاحبة الجلالة» مما يتطلب أن تصنع «الفارق» حتى يكتب اسمك على «بوابات» الضياء الإعلامي بعيداً عن «مجاملات» مدروسة للمطامح أو «مداهنات» محروسة بالمصالح.
يتوهم البعض أن الصحافة قد تتوارى خلف زحف التقنية وهم بذلك لا يفرقون بينها كمهنة وبين «الورق» كوسيلة ولا يعلمون أنها قائمة دائمة لأنها المنبع الذي يخرج إلينا «التقرير الفضائي» و»المحتوى» التسويقي و»المستوى» الإعلامي لذا فهي سيدة «الإنتاج» في كل ما يظهر من خبر أو تقرير أو تحقيق أو استطلاع أو حوار أو حتى مشهد مصور أو مقال مكتوب.
الصحافة «حرفة» مقيمة مستديمة وأصولها «الكتابة» وفصولها «المعلومة» وعناوينها «الاحترافية» وميادينها «المهنية» تحضر ببساطة وتبرز بموضوعية وتختال باعتلاء وتمتاز بمنتج وتتجود برأي وتتصدر بمشهد وتعلو بقيمة في وسائل تقنية أو رسائل مهنية وتظل المسؤولة الأولى عن «المفاجأة» والسر العميق في «الانتظار» والجهر الأبرز نحو «الإفصاح».
منذ ذلك الأديم الذي كانت تقرأ منه البيانات في عصر «الجاهلية» وحتى تلك «المراسيم» التي ظهرت في «صدر» الإسلام مروراً بالعابرون من «سدنة» القصور بقرارات السلاطين في الأسواق ومع ازدهار الصحف والمجلات في كل القرون الماضية وتواريها وانزوائها خلف ثورة التقنية وإلى أن يأتي «الذكاء الاصطناعي» بعبقريته إلى ما شاء الله من أزمنة قادمة تبقى «الصحافة» حجر الزاوية ونقطة الارتكاز الذي تصنع منه «الأنباء» وتصاغ فيه «الأخبار» وتناقش خلاله «الظواهر» لأنها «المهنة» التي يحول منها الحدث إلى نبأ وينقل منها الحديث إلى خبر بمعايير ومؤشرات ومقاييس تخرج من «رحم» الكتابة قبل الكلام ومن الرصد قبل القول ومن السرد قبل الإعلان.
تغير الزمن أمر حتمي وتبدل الحال قدر محتوم وفي ميادين «الحرف» ومضامين «المهن» يبقى «الرهان» أمام التغيير ويظل «الارتهان» بشأن التغير بيد «صنَّاع» التطوير و»أبناء» المهنة حفاظاً على «الهوية» الحرفية التي تتطلب وجود «الخبراء» و»المختصين» و»المحترفين» القادرين على «حماية» الاحترافية من «هجمات» الدخلاء ومن «موجات» الفضوليين والتي عانت الصحافة ولا تزال من سذاجتهم ورعونتهم التي تتطلب مواجهتها بمكانة «العلم» وأمانة «القلم». أرى في بعض المقاطع في اليوتيوب وفي قنوات فضائية ووسط صحف إليكترونية ما يستدعي الخجل مما يُقال أو يكتب ويثير السخرية حول ما يناقش ويحدث حتى إن بعض القائمين على تلك الجهات والمواقع قدموا من مهن وأنشطة واختصاصات لا علاقة لها بالصحافة والإعلام وإنما دخلوا من الأبواب الخلفية للمجاملات أو نزلوا بمنطاد النزول المخجل للمحسوبيات فاختفت «المصداقية» وتوارت «الموضوعية» وحلّت «لعنة» الفشل المعلن على ناصية «التلقي» وارتفعت «أسهم» التفاهة حتى طغى صوت «الغباء» بأغلبية عظمى تنتظر التحرك العاجل لإنقاد المهنة من كيد «السائدين» القادمين على مراكب «الشهرة» البغيضة والبائسة.
في ظل «الزحف» التقني وساحات «التيك توك» التي باتت مسرحاً هزيلاً للسخف وفي ظل انتقال الخبر من «سالفة» أو طرفة في الواتس أب إلى مادة صحفية في صحيفة إليكترونية واعتلاء ممثّل فاشل أو لاعب معتزل أو مشهور فارغ منصات «التقديم» وإدارة الحوار فإن الأمر يستدعي «التفاتة» عاجلة و»انتفاضة» مهنية وإعادة الصحافة الحقيقية إلى موضعها الحقيقي وإلباسها تاجها المضي ومنحها وجودها الزاهي القائم على وجود «حصافة» في الطرح والمضمون والمنتج و»فصاحة» في الكلمة والعبارة والنص حتى نعيدها إلى سيرتها الأولى ونجعل ما مرت به مجرد أزمة تحولت إلى التعافي.
الصحافة قلب «الأعلام» النابض و»نبض» الاحتراف المستديم وهي مهنة عريقة وسامية تعتمد على الرسالة وتتعامد على النزاهة وأن مرت بأزمة فهي لا تعدو وجود «عدوى» مهنية انتقلت إليها بسبب تواجد الغرباء في ميادينها مما يشوّه وجهها المبهج ويخفت «النور» عن إشعاعها المتوهج لذا فإنها لا تقبل وجود «الدخلاء» في ساحاتها وهو «ورم» يجب اجتثاثه واستئصاله حتى نكون محترفين في عطاءنا الصحافي ومهنيين في إنتاجنا الإعلامي وأما المبتهرجون بالبطاقات المجانية من الصحف والجمعيات والقطاعات فإنهم الأكثر علماً بأنهم ينتمون إلى مواقع أخرى وعليهم المغادرة وترك «الميادين» المهنية لأهلها وأصحابها وفرسانها.. وعلى الجهات المعنية أن تعيد للصحافة «حقوقها» وأن تعيد إليها «هيبتها» حتى نكون مجتمعاً راقياً وأصيلاً يحترم المهن ويفتخر بالمحترفين ويعتز بالمتميزين.