د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
هذه العبارة أطلقها الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) عبارة استباقية للعالم الذي بدأ ينحرف تجاه بوصلة أخرى غير واقعية لمستقبل الطاقة المستدامة التي دائماً ما نجد العالم الغربي يركز عليها ولكنها بعيدة عن الواقع، ودائماً السعودية كقائد لأسواق النفط تحذِّر وتطالب بتحقيق انتقال منطقي وعادل ودائم في قطاع الطاقة بعيداً عن أي تسييس فقط من أجل تحويل الغرب الاستثمارات من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة التي لم يثبت حتى الآن أنها قادرة على أن تحل محل الطاقة التقليدية مستقبلاً.
اتجهت السعودية نحو مزيج الطاقة، أي الموازنة بين الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة والاستثمار في الجانبين، لكن عالمياً نجد أن هناك نقصاً في الاستثمارات في الطاقة التقليدية، حيث يؤكد هيثم الغفيص الأمين العام لأوبك أن صناعة النفط تحتاج إلى 12.1 تريليون دولار، أي بنحو 500 مليار دولار سنوياً، لكن الاستثمارات الحالية أقل بكثير جداً نتيجة ما ألمَّ بالعالم من جائحة كورونا وما نتج عنها من انكماش صناعي.
ما تؤكده دول أوبك بقيادة السعودية أن العالم يمر بنمو سكاني والاقتصادات تحتاج إلى مزيد من الطاقة في العقود القادمة، وتوقعات أوبك أن الطلب العالمي يتوسع على الطاقة بنسبة 23 في المائة حتى عام 2045، ما يعني أنه بحاجة إلى الموازنة بين أمن الطاقة والوصول إلى خفض الانبعاثات العالمية بما يتماشى مع اتفاقية باريس، وخصوصاً أن هناك أكثر من 700 مليون شخص ما زالوا يفتقرون إلى الكهرباء، وهناك نحو 2.4 مليار شخص يستخدمون أنظمة طاقة غير فعَّالة وملوثة.
ولا تزال دول أوبك لديها رغبة وقدرة على لعب دور رئيسي في المساعدة على توفير الطاقة للعالم، وفي نفس الوقت تقليل الانبعاثات الكربونية، وتحشد السعودية وبقية دول الخليج تقنيات أنظف ومجموعة واسعة من الخبرات للمساعدة بإزالة الكربون من الصناعة، وفي نفس الوقت تقوم باستثمارات كبيرة موازية للاستثمارات التي تضخها في المنبع والمصب أيضاً في الطاقة المتجددة والقدرة الهيدروجينية واستخدام وتخزين الكربون وتقنيات أخرى بالإضافة إلى تعزيز الاقتصاد الدائري الذي تبنته السعودية في قمة العشرين في 2020 لتحسين الأداء البيئي.
دول أوبك ليست طرفاً في النزاع الأوروبي الروسي، ولن تصطف إلى طرف دون الآخر، بل التزمت الحياد التام، وخصوصاً أن الأزمة بين الجانبين تدور حول بحث أوروبا عن تنويع شبكات الإمداد الذي يؤدي إلى حماية أمن الطاقة والمساعدة على استقرار الاقتصاد الكلي، وهذا ما توصل إليه وزراء مالية الاتحاد الأوربي مع دول مجموعة السبع خصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا، وأعلنوا عن رفع الدعم المالي والاقتصادي لأوكرانيا في 2023 إلى 44 مليار دولار، ومطلع عام 2024 بنحو 39 مليار دولار وفق أرقام صدرت في فبراير 2023، من أجل اعتماد أداة جديدة بحلول نهاية 2023 على أبعد تقدير لتنويع شبكات الإمداد الدولية سعياً للحد من تبعيتها للصين في هذا المجال الإستراتيجي، التي تنص على منح مساعدات مالية للدول ذات الدخلين المتوسط والمتدني، في اجتماع استمر 3 أيام في نيغانا بوسط اليابان فقط من أجل أن يجنب هذه الدول اللجوء للصين، وما يحدث وسط تغيرات جيوسياسية متسارعة حول العالم.
حيث تستثمر دول الاتحاد الأوربي منع استئناف صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية إلى دول مثل بولندا وألمانيا بعدما قطعت روسيا الإمدادات في 2022 وتجنب الاتحاد الأوروبي حينها استهداف التدفقات تزامن مع بداية الحرب الروسية في أوكرانيا في ضوء اعتماده على الغاز الروسي، حينها أطلق الاتحاد الأوروبي أول مناقصة دولية لشراء الغاز بشكل جماعي، تغطي الطلب الإجمالي لنحو 80 شركة أوروبية من أجل الحصول على أسعار أفضل لتجديد المخزون قبل شتاء 2023-2024 بعد الأزمة الناتجة عن ارتفاع أسعار الغاز بعد الحرب الروسية في أوكرانيا وانخفاض الإمدادات بشكل كبير، وبين يونيو 2023 ومايو 2024 قدمت 77 شركة أوروبية طلباتهم بحجم إجمالي يبلغ 11.6 مليار متر مكعب من الغاز منها 2.8 من الغاز المسال و9.6 للتسليم عبر خطوط الأنابيب، من أجل التخلص من اعتماده على الغاز الروسي، حيث يتعين على الأوربيين ملء 90 في المائة من سعة خزاناتهم بحلول نوفمبر 2023، فلا يزال الاتحاد الأوروبي حتى الآن معتمداً على الطاقة التقليدية.
بل أوروبا متأخرة في إنتاج البطاريات الكهربائية لقطاع صناعة السيارات بسبب أنها مهددة بالمنافسة الشديدة للولايات المتحدة والصين، ومن المقرر بناء 50 مصنعاً في أوروبا لبطاريات أيونات الليثيوم بحلول 2030 فيما تكاد معدومة اليوم، وألمانيا هي الدولة الأكثر تقدماً في هذا المجال ما يعادل 498 جيجا/ واط ساعة من المشاريع قيد الإعداد، تليها المجر 224 جيجا / واط ساعة ثم النرويج 136 جيجا / واط ساعة، وتأتي فرنسا في المرتبة الرابعة مع 122 جيجا / واط ساعة.
السعودية باعتبارها قائداً لدول أوبك تدعو إلى أهمية الانتقال العادل والمستدام للطاقة بعيداً عن أي تسييس، وليست لها علاقة في الأزمة السياسية للطاقة في أوروبا بين الاتحاد الأوربي وروسيا، لكنها تدعو إلى أهمية ألا يتخلف أي شعب ولا صناعة عن الركب باعتبار أن التحديات التي تواجه الطاقة والمناخ والتنمية المستدامة هائلة في ظل التخطيط لانتقال منظم للطاقة مدفوعاً بتحديات أمن الطاقة، والقدرة على تحمّل التكاليف والاستدامة.