نوف بنت عبدالله الحسين
هذه الأيام نتنقل ما بين إنجاز وآخر، فما أن احتفلنا بتحقيق 27 جائزة عالمية في المعرض الدولي للعلوم والهندسة (آيسف 2023) من منتخب سعودي موهوب محققًا بذلك الثاني عالميًّا في الحصول على الجوائز الكبرى في معرض آيسف، لنستيقظ بعدها على إنجاز مدهش آخر ورحلة نحو الفضاء، لتنطلق رحلة رائدي الفضاء السعوديين نحو محطة الفضاء الدولية لإجراء التجارب العلمية والأبحاث الدولية أمام مرأى العالم أجمع.
نحن لسنا حديثي عهد بالتنمية والمعرفة، فهذه الأيام تذكرنا بعام 1985م حين صعد أول رائد سعودي للفضاء الأمير سعود بن سلطان، وكلنا نتذكر اللقطات التاريخية حين كان يؤدي فريضة الصلاة في الفضاء ويشاركنا في ذلك الزمن رحلة إستثنائية سبقت العصر، لتكون امتدادًا للكثير والكثير من القفزات في كل الميادين والمجالات، وإعادة البوصلة إلى المشروع العظيم والمهم ألا وهو مشروع إنسان، ذلك الإنسان الذي مازال يمتلك الكثير ليبحث ويشارك ويقدّم ويبتكر ويطرح أفكاره في سبيل الخير ولامتداد المعرفة الإنسانية التي نشأنا عليها ومبادئنا التي غرست فينا، إنه الإنسان الذي يشارك المعرفة لخدمة البشرية جمعاء.
رحلة الفضاء رحلة ملهمة لكل الحالمين، وفي وطني العظيم، لك أن تحلم وأنت موقن بأن حلمك سيغدو حقيقة بإذن الله، طالما أننا تحت قيادة رشيدة حكيمة، مكّنت للإنسان أن يصعد بكل اقتدار، وأهّلته وقدّمته للعالم مواطنًا سعوديًّا يشار له بالبنان في المحافل الدولية وعلى مستوى عالمي.
ففي عهد الملك سلمان نحن نشهد الكثير من الإنجازات التي تحدّت الظروف وصمدت في وجه جميع التيّارات،ويقدّم لنا ولي عهده الأمير محمد بن سلمان الفرص لتقديم تجارب إبداعية يقوم بها شباب وشابّات هذا البلد العظيم إيمانًا منه بأنهم هم الاستثمار الأهم والمستدام على مدى السنوات القادمة، ليكون الجيل القادم مستعداً لقراءة التاريخ وإكمال مسيرة الآباء والأجداد.
والآن أكتب هذا المقال ورائد الفضاء علي القرني ورائدة الفضاء ريانة برناوي يقومان بمهمتهما في الفضاء، فمن الأرض هناك دعوات ومشاعر فخر واعتزاز، وربما تقف العبارات عاجزة عن التعبير في مثل هذا المشهد، نحن في الأرض نشاهدكما تنطلقان في رحلتكما نحو الفضاء وتطفوان على متنها، تخاطبوننا من الفضاء، وأعيننا مشدودة، ومشاعرنا متضاربة، لتثبتا للجميع مقولة سيدي سمو ولي العهد: ( لدى السعوديين همة مثل همة جبل طويق) وهاهي همتكما وصلت إلى الفضاء ولا حدود لها خدمة للبشرية جمعاء.
ولو تأملنا شارة الرحلة السعودية للفضاء، لوجدنا علم الممكلة العربية السعودية تأكيدًا على الهوية الوطنية والانتماء للوطن، وشعار الرؤية ليعكس دورها الداعم في تطوير العلوم والأبحاث والابتكار، ثم تتأمل بقعة ذهبية في الكرة الأضية، إنها خريطة المملكة العربية السعودية ومدى التطور العلمي فيها على مستوى العالم، أما الشكل الدائري فهي مستلهمة من النافذ الشهرية لمحطة الفضاء الدولية، مما يعكس التعاون والتواصل بين الأمم في استكشاف الفضاء، والنجمان الصاعدان تمثلان رائدي الفضاء السعوديين بآمالهم وطموحاتهم، أما النجوم الأربعة عشر فهي عدد التجارب التي سيجريها رواد الفضاء السعوديون خلال مهمتم الفضائية، وفي طرف الشارة يوجد رمز لرائد الفضاء لترمز إلى دوره في خدمة البشرية وتحسين جودة الحياة على الأرض، ثم سنة الانطلاق نحو الفضاء 2023م، هذه الدلالات في أدق التفاصيل يجب أن نعيها جيّدًا لنعرف دورنا الحقيقي في الحياة ومكاننا الطبيعي في العالم.
نحن نعيش واقعًا صنعته رؤية قيادة، وطموح شعب حالم، آمنّا بمقدّراتنا وما نملك من إمكانيّات، وبدأت خطواتنا الصغيرة تكبر، نحن نمتطي السماء والفضاء، وفي الأرض نشاهد نقلة حقيقية في حياتنا، عشنا صعود أول رائد عربي للفضاء، واليوم نعيش تجربة مشهودة بوجود رائد الفضاء النقيب الطيار علي القرني والذي خاطبنا من الفضاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحمد الله على هذه الفرصة واللحظة التاريخية وقال: استمتعنا بالإطلاق ومتأكد أنكم استمتعم بالمشاهدة، يالها من لحظة مطمئنة ونحن نشاهدهما يتحدثان خارج الحدود، ثم تحدثت أول رائدة فضاء مسلمة عربية سعودية ريانة برناوي، التي استهلت كلمتها :السلام عليكم من الفضاء، وإنه لشرف لي أن أكون في هذه الرحلة التاريخية، مبدأ جميل إفشاء السلام من الفضاء للأرض، تطبيقًا للرسالة المحمدية في إفشاء السلام ( افشوا السلام بينكم)، نعم إنه لأمر عظيم أن يبدآ بالسلام، ليعم السلام قلوبنا وأرواحنا، رافقتكما السلامة ودرب السلامة، وحفظكما الله وأعادكما لنا سالمين.
وبعد، آن الأوان أن نشارك جميعنا في مشروع الإنسان الذي تستثمر فيه المملكة العربية السعودية في كافة المجالات التنموية والاقتصادية والمعرفية، وأن نقدم نماذج للعالم تفوق التوقعات، أن نحلّق خارج أسوارنا، وأن نصنع التاريخ بإبداعنا، علينا كمتجمع أن نساهم في مشروع الإنسان وبنائه، معرفيًّا وثقافيًّا وسلوكيًّا، أن تساهم الأسر بدورها العظيم في تكوين الإنسان السوي المؤثر السليم من كل العاهات الفكرية، المعافى من كل التوجهات الهادمة، المكمّل لمشروع هذا الوطن العظيم في تنمية الإنسان وتجويد حياته وتمكينه من الفرص ليخدم أخيه الإنسان.