ما الذي يمكن أن يكون مشتركاً بين أفضل خمس مدن وجهة سياحية في العالم؟ هل هي سرعة الأحداث فيها أم اكتظاظ شوارعها بالمارة ورائحة العوادم أو تنوع فعالياتها؟ ومن خلال هذه الملاحظات قد نطرح السؤال العريض عن شكل المدينة الحديث، ما الذي يمكن أن تركز عليه المدينة وأين بواطن الجمال الحديث فيها؟
رسم الأمريكي إدوارد هوبر في أربعينيات القرن الماضي لوحته الشهيرة «صقور في الليل» وكانت عبارة عن مشهد ليلي في مقهى في زاوية أحد طرق نيويورك لأربعة أشخاص نادل ورجل بجانب فاتنة جميلة ورجل كلاسيكي بارز الظهر ووحيداً إلا أن الثيمة البارزة في هذه اللوحة هي الدقة في رسم الحياة الليلية في المدينة، فالإضاءات الكهربائية سلطت على الطريق بهندسية دقيقة لتُبرز أحسن ما في المكان، للدرجة التي تعكس لك الواقعية في اللوحة منظراً جمالياً لافتاً ولعل هذا ما أكسب اللوحة شهرتها.
ورغم أن العلم وتاريخ إضاءة الطُرق بالكهرباء لم يكن قد قطعا شوطاً كبيراً في نيويورك في تلك الحقبة إلا أنه كشف عن قدرة الإنسان على صنع عالم مواز دقيق في نفس المدينة ولكن ليلاً وهذه الثورة لم تصل لها البشرية من قبل، وعزاؤنا في هذه العالم الموازي والحديث بأنه يبقى عالماً مصنوعاً بقدرة العلم فقط.
ولعلنا نستشهد بنظرة فيلسوف العلم الإنجليزي كارل بوبر بأن العلم يصنع واقعاً ولا يكشف واقعاً جديداً لذلك فإن فناءه سهل لأنه مصنوع وليست الطبيعة الحقيقية.
فما تراه في ليل المدينة السياحية هي قدرة تسلط الضوء على مواطن جمال أو إبراز عالم خيالي من الأضواء والإنارة وشاشات الإعلانات التي تجلب الأنظار وتقود العقول بينما في النهار ينكشف لك هذا العالم الزائف المصاب بالأرق والذي لا ينام في مجمله.
** **
- إبراهيم المكرمي