سهوب بغدادي
فيما انعقدت القمة العربية في مدينة جدة في دورتها الثانية والثلاثين في المملكة العربية السعودية، بمشاركة قادة ورؤساء الدول والحكومات، عجت مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة بأخبار حول أبرز ما جاء في جنباتها، إذ تداولت الصحف الغربية خبر حضور الرئيس السوري بشار الأسد للقمة بعد انقطاع دام 12 عامًا، وعودته إلى رحاب جامعة الدول العربية، حيث تنوعت ردود الأفعال الغربية بين ذهول واستنكار، نظرًا لمناداتهم على الدوام بشعارات مسكوكة في إطار حقوق الإنسان، ولكن دون تفعيلها على أرض الواقع بشكل ملموس، كما كان لحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حظٌّ وافرٌ من الردود الغربية فتارة نجد الاستغراب من حضوره في قمة العرب، ومدى اتساق الفعل مع مطالبه، بدايةً، بحسب الإعلام الفرنسي فإن فرنسا مكنت زيلينسكي من حضور قمة جدة ليتحدث أمام القادة ويكسب دعمهم، فلطالما كانت فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي في صف أوكرانيا عبر فرض العقوبات دون تدخل واقعي وملموس، ولكننا نقول إن حضور زيلينسكي أتى بدعوة شخصية كريمة من ولي العهد، فحضوره مهمٌّ بغض النظر عن اختلاف انتمائه للبقعة الجغرافية، فلقد أتى وتحدث أمام قادة ورؤساء الدول العربية التي ينتمي بعضها إلى مجموعات مؤثرة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، كمجموعة العشرين، ومجموعة البريكس المزمع انعقادها في جنوب إفريقيا خلال الفترة القريبة المقبلة، ومن المعروف أن روسيا عضو في البريكس أيضًا، فإن حضور زيلينسكي لطرح وجهة نظره و عرض مطالبه لدول المجموعة يعد بمثابة خطوة استباقية للحدث المستقبلي، وإلى ذلك الوقت سيكسب امتدادًا وتأييدًا بشكل أكبر في المنطقة، بالإضافة إلى مختلف أوجه الدعم المحتملة التي سيتلقاها، ومن وجهة نظر عربية، إن القمة العربية أعادت للعالم العربي وهجه خاصةً بعد تخييم الربيع العربي على المنطقة وتداعياته، ما رأيناه ليس مجرد اجتماع عابر، بل لمسنا ثمار القمة فور حدوثها بتوقيع الاتفاقيات وأهمها اتفاقية وقف إطلاق النار في السودان الشقيق، وفي هذا الأمر دليل قاطع بأن المملكة تلعب دورًا هامًا في احتواء المنطقة، بكل ما فيها من تقلبات ونوائب -حمانا الله وإياكم- سواء في فض النزاعات وتقريب وجهات النظر أو بمد يد العون للمتضررين من مهاجرين وضحايا حرب وضحايا الكوارث الطبيعية وصولًا إلى ما حدث خلال الأزمة الصحية العالمية المتمثلة بتفشي فيروسورونا، إذ كانت المملكة تزود الدول بالأكسجين والمعدات الطبية والأدوات الصحية اللازمة والتي عانت الدول من شحها ونقص مخزون ما كان ضروريًا منها آنذاك، علاوة على تكفلها بعلاج ولقاح كل مواطن ومقيم و»مخالف»، وإن دل ذلك على شيء فيدل على حس روح المبادرة والتسامح الذي تتحلى به المملكة وقيادتها الرشيدة، ختاماً، تردد في الأوساط الغربية في أعقاب القمة أن المملكة مهووسة بفكرة أن تكون رائدة وقائدة للعالم العربي، ونحن نقول إنها ليست مجرد فكرة بل واقع.