الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف
خبرٌ جميلٌ الذي أعلنه سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء عن إطلاق مسمى «حي الملك سلمان» على حيّي «الواحة» و»صلاح الدين. والأخبار الجميلة -بحمد الله- كثيرة ولا زالت تتوالى منذ إعلان الرؤية الطموحة للمملكة 2030 برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وبقيادة سمو الأمير الطموح محمد بن سلمان، حيث أصبحت جميع مناطق ومدن المملكة تنعم بما يُعدُّ لها من برامج ومشاريع تطويرية كبيرة لم يحدث لها مثيل على مستوى العالم لا من حيث الحجم ولا النوعية ولا السرعة ولا الشمولية والتنوع.
ففي الرياض وهي مجال حديثنا اليوم تم إطلاق العديد من المشاريع والبدء بتنفيذها مثل بوابة الدرعية، حديقة الملك سلمان، الرياض الخضراء، القدية، حديقة الأمير محمد بن سلمان، المسار الرياضي، مطار الملك سلمان، مدينة الأمير محمد بن سلمان، المربع الجديد، وغيرها مما هو تحت الدراسة. تأتي هذه المشاريع استكمالاً لما أسسه سلمان بن عبد العزيز من نهضة في الرياض، يدفع بها سمو ولي العهد انطلاقًا من إيمانه بدور اقتصاديات المدن في تعزيز التنمية البشرية والاقتصادية، والارتقاء بمدينة الرياض ووضعها على خارطة العالم كإحدى أهم العواصم الاقتصادية والسياحية وإلى أن تكون الرياض ضمن أفضل 10 مدن في العالم.
أسعد إعلان سمو ولي العهد عن حي الملك سلمان الكثير وحرك من ذاكرة الرياض عندي الأكثر، والذكريات مع رياض سلمان كثيرة ومتعددة ومتنوعة بكثرة الساعات والأيام التي قضاها -حفظه الله-، حاكماً للرياض لأكثر من خمسين عاماً استوعبت فيها الرياض وبكل جدارة المتغيرات التنموية والديموغرافية، وواكبت طموحات ساكنيها ونافست بكل جدارة مدن وعواصم عالمية.
دائماً ما تجول بي الذاكرة في المشاريع التي قام بها الملك سلمان -حفظه الله- إبان توليِّه إمارة منطقة الرياض، حيث كانت له دائماً اليد الطولى في هذه المشاريع فهو لا يوفِّر جهدًا في إقناع مسؤول أو الكتابة لآخر أو الرفع لولاة الأمر بطلب أو مناشدة أو إقناع. يبذل نفسه وبكل أريحيَّة في أي جهد للتنمية والتطوير. وكان -حفظه الله- بمثابة القلب النابض في عجلة التنمية والتطوير يحاول إيصالها إلى كلِّ مدينة أو قرية أو مركز أو هجرة. هذا هو سلمان المحب والعاشق للتنمية والمحارب البارع من أجل تحقيقها في مدينته ومنطقته الرياض، ومن إنجازاته بعد توفيق الله وفضله أن تتلمذ على يديه سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان قائدًا للتنمية والتطوير يقفز بالمملكة لمستقبل أوسع ويسخر الطموح لجلب المستحيل وجعله ممكناً.
سأشير هنا وعلى عجالة إلى ذكريات وقصص متعلقة بالحي (حي الملك سلمان) وما جاوره، «ووراء كل إنجازٍ قصة. ولعلي هنا أكتفي بثلاثة مشاريع تنموية تقع في حدود الأحياء المكوِّنة لحي الملك سلمان، ولسلمان بن عبد العزيز الدور الأكبر والأساس في الحفاظ عليها وفي انطلاقتها وفي رعايتها والاهتمام بها.
المشروع الأول هو مطار الرياض القديم (مطار القاعدة الجويَّة)، والذي يشكِّل جزءًا من حديقة الملك سلمان الكبرى. كان سلمان بن عبد العزيز من أول المنادين بنقل المطار وجعل موقعه حديقة ومتنفسًّا عامًّا لسكان الرياض. وذلك بعد المناداة بضرورة التأسيس لمطار جديد وكبير خارج المدينة وهو ما تم -بحمد الله-. وبالفعل أثمرت جهوده -سلمه الله- في أن صدر لأمانة منطقة الرياض صك على الأرض بمساحة تقارب الخمسة ملايين متر مربع. ولكن الظروف المالية وكذلك حرب الخليج أخرت فكرة الاستغناء عن مطار القاعدة والاستفادة من موقعه. وتأسيساً على أن ما لا يدرك كله لا يترك جله استمر -حفظه الله-، في المطالبات بإنفاذ شبكة الطرق العامة للمدينة عبر أرض المطار القديم، وأعني بذلك طريق العروبة غربًا، وطريقي أبي بكر الصديق وعثمان بن عفَّان جنوبًا. وكنا رغم محاولات عدة واتصالات متكررة لمحاولة الإقناع قد يئسنا من تحقيق ذلك نظراً لما فيه من محاذير أمنية حسبما ذكرت الإدارات المسؤولة عن المطار. إلا أن متابعاته-حفظه الله- استمرت بالخطابات والاتصالات، وأذكر أنَّه في مساء أحد أيام نهاية الأسبوع اتصل بي ووجهني قائلاً: «ترى تفاهمت مع سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز وشرحت له الوضع كاملاً وما سبق ورفعت له من خطابات متعددة عن الموضوع وأبدى سموه قناعته وموافقته، وعليك يوم السبت صباحاً أن تجتمع مع سمو قائد القوات الجوية وترتبون الأمر ليبدأ مركز المشاريع في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عاجلاً في تنفيذ الطرق، واعملوا جميع ما يطلبون ولا تتركون لهم عذرا أو فرصة للتأخير». وحصل ما وجه به -حفظه الله-، وانفكت الاختناقات المروريَّة وسهل الاتصال بين الأحياء في ذلك الجزء من المدينة. وتوِّج هذا العمل -بحمد الله- وضمن الرؤية المباركة 2030 بأن أعلن سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان بنقل مطار القاعدة وتخصيص الموقع حديقة عامة كبرى باسم الملك سلمان وتوسيع مساحتها لتبلغ العشرين مليون متر مكونة أكبر حديقة عامة في مدن العالم.
أمَّا المشروع الثاني فهو جامعة الأمير سلطان وهي الجامعة الأهلية الأولى والتي قادت القطاع الجامعي الأهلي في المملكة. وهنا لا أخفي سعادتي بتشرُّفي بأني كنت على رأس فريق العمل الذي أوكل له سلمان بن عبدالعزيز في عام 1418هـ الموافق 1997م مهمة تأسيس جامعة الأمير سلطان، والتي تمثل الوفاء للراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز، في بادرة قدَّمها أهالي الرياض، وعلى رأسهم الأمير سلمان، هدية للأمير سلطان بعد عودته -رحمه الله- من رحلة علاجية، فسلمان الوفي أحب أن يكون الاحتفاء بالأمير سلطان احتفاء لائقا نافعا للمجتمع، باقيا لا ينتهي بانتهاء المناسبة، فكان إنشاء مشروع جامعة الأمير سلطان (كلية الأمير سلطان آنذاك) بدلاً عن حفل ترحيبي ينتهي بنهاية يومه.
كان النقاش في تلك الفترة والطرح في وسائل الإعلام عن أزمة المقاعد في التعليم الجامعي، وصعوبة إيجاد القبول لبعض الطلاب، وعن غياب التعليم الجامعي الأهلي. فتم اختياره -حفظه الله- لمشروع تأسيس كلية أهلية على أساس المساهمة في تلبية هذه الحاجة على أن تتحول مستقبلاً لمشروع جامعة الأمير سلطان الأهلية الأولى بالمملكة. وكانت توجيهاته لنا في أربع نقاط رئيسية، الأولى: أن يتم الالتزام بجميع الأنظمة والتعليمات في افتتاح الجامعة، وألا يكون هناك أي استثناء في ذلك، والثانية: أن يكون مستوى التعليم فيها متميزاً عالمياً منافساً، والثالثة: أن يرتبط التعليم في الجامعة بالتوظيف؛ بحيث تقدم مضموناً ومستوى مختلفاً يرتبط بحاجة السوق لخريجيها. والرابعة: الالتزام بضوابط المجتمع الدينية والاجتماعية، وتنمية ذلك الالتزام في نفوس الطلبة والطالبات. وكان له ما رغب، وبدعمه وتوجيهاته وكذلك بدعم شخصي مباشر من الأمير الراحل سلطان انطلقت الجامعة، وهي الآن تحتل مركزاً متفوقاً بين الجامعات. وما حققته الجامعة في مسيرتها من نجاح وتميز يعود فضله، بعد الله، إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز فقد كانت الجامعة فكرته، وهي الذي رعى تأسيسها ورعى تخرج طلابها في مكتبه بقصر الحكم إبان إمارته لمنطقة الرياض وفي قصره بعرقة إبان وزارته للدفاع وحرص عليها وعلى تمكينها لتكون ضمن المؤسسات التعليمية المتميزة في المملكة.
المشروع الثالث هو مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام، والذي تمر خطوطه الرئيسية، وتقع بعض محطاته في محيط هذا الحي. عندما باشرت عملي أميناً لمنطقة الرياض في عام 1418هـ الموافق 1997م، لا أنسى مقولة خادم الحرمين الشريفين في أن علينا الاستعداد بالدراسات والتصاميم للمشاريع حتى ولو لم تتوفر ميزانيات لتنفيذها. وقد كانت تلك الفترة شحيحة في الميزانيات ومع هذا لم يتوقف- سلمه الله-، عن حثنا على تطوير البنية التحتيَّة للمدينة والتجهيز لشبكة المترو. وكان يذكر ما معناه «خلونا جاهزين متى ما توفرت الميزانيات نبدأ التنفيذ ونختصر الزمن بوجود الدراسات والتصاميم جاهزة». وبالفعل كانت الرياض السباقة في البدء بفكرة النقل العام المترو على مستوى الخليج وكانت الدراسات تتم بوتيرة مستمرة من أكثر من 25 سنة ماضية، وإن لم تحظ بالتنفيذ بسبب نقص الميزانيات وعدم توفر السيولة. ورغما عن ذلك كان -حفظه الله-، لا يترك مناسبة إلا ويرفع بمطالب لمدينة الرياض واحتياجاتها من مشاريع البنية التحتية وكلما زادت الحاجة زاد الإلحاح في المطالبات وتكرارها. وبالفعل فعندما صدر الأمر السامي بخصوص النقل العام للرياض كانت المدينة جاهزة لذلك بالمخططات الأولية والرؤى المستقبلية، ولذلك تمكنت المدينة من التوقيع السريع مع الشركات العالمية لبدْء تنفيذ المشروع لأكبر شبكة نقل عام في العالم يتم تنفيذه في مرحلة واحدة.
الرياض اليوم هي رياض سلمان بن عبد العزيز ولسلمان مع مدينته، وخلال أكثر من خمسين عاماً، إنجازات وقصص ومعارك تنموية لا تعد ولا تحصى ووراء كل إنجازٍ قصة. وما اختياري للمشاريع الثلاثة إلا اختصاراً واكتفاءً بما له علاقة بالتسمية الجديدة لحي الملك سلمان. والرياض عاشت في قلب وفكر سلمان وسيستمر -حفظه الله- في قلوب وفكر الرياض وأهلها. وستستمر مع سمو الأمير محمد بن سلمان ملحمة العشقٍ، ومسيرة التنميةٍ، فها هو مستمر في حربه الإدارية والتنموية للرياض ومن أجلها ولن يرضى لها وله بأقلَّ من التميُّز عنوانا، والتفرُّد عملاً، والإنجاز مساراً، والشُّموخ هدفاً.
وإذا كانت رياض اليوم هي رياض سلمان بن عبد العزيز فهي قد أسست وتؤسس لرياض المستقبل وبرؤية 2030 التي يقودها الأمير محمد بن سلمان بكل عزم وطموح واقتدار وهي الرِّياض الكبرى التي سنعرفها بسكَّانها المبدعين وببنيتها التحتية المتفوقة وبمشاريعها العالمية المنافسة مع مدن العالم أجمع.