تواجه دول الخليج العربي منذ عدة عقود حرباً شرسة يقودها عصابات المخدرات التي يقف خلفها دول ومنظمات وأحزاب شيطانية تستهدف أغلى مقدرات بلادنا وهم الشباب الذين سيكون عليهم عماد المستقبل وهذه العصابات لا تستهدف الربح المادي وحده، بل تريد تدمير وإفساد المجتمع.
والنجاحات المتلاحقة التي تحققها الأجهزة الأمنية في دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية لمحاصرة تجار السموم ومتعاطي المخدرات؛ تستحق الشكر والتقدير للجهات العاملة في هذا المجال الحيوي المهم، ومنذ انطلاقة الحملة الوطنية لمكافحة المخدرات بالمملكة التي جاءت بتوجيهات القيادة الرشيدة، ومتابعة شخصية من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، واتخذت قرارات قوية حازمة صارمة لا هوادة فيها لملاحقة مروّجي الآفات، لتدعو للفخر والاعتزاز، لغرس مجتمع آمن بلا مخدرات، وستأتي أكلها -بإذن الله تعالى -، وستتحقق الأهداف الخيّرة لتلك الحملة الوطنية في القضاء على بؤر الشر والخراب.
إذا كنا نفخر ونعتز ونسعد بما قام به رجال الأمن في هذه الأعمال الاستباقية القوية، فإن بواعث الأسى والحزن تكمن في الأرقام التي سمعناها عمَّا تم مصادرته من هذه السموم الخطيرة، وما يعرض عن الكميات المضبوطة بأنواعها وأشكالها المختلفة التي استهدفت شباب بلادنا بقصد إفساد دينهم ودنياهم وعقولهم، وهي مثال عريض يبيِّن حجم هذه الحرب الضروس على بلادنا وعمادها وهم الشباب.
إن الجهود التي يبذلها رجال المديرية العامة لمكافحة المخدرات لهي جهود تذكر فتشكر إلى جانب الأجهزة الأمنية، والجمارك، وكذلك المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية المساندة في التوعية والوقاية وما يقومون به من جهد للتحذير من أضرار المخدرات، ولكن المشكلة أن المخدرات ليست داءً يسهل برؤه وتزول آثاره في المجتمعات بالعلاج فهو داء عضال مزمن، بل هي حرب دائمة تتطلب منا اليقظة والحذر والاستعداد التام وإعداد القوة والعتاد لمواجهة القائمين على هذه الحرب ليس في بلداننا، بل في عقر دارهم وهو ما تم إنجازه في أعمال كثيرة - ولله الحمد- ولا بد من تكاتف جهود الجميع من المؤسسات الرسمية والأهلية والأفراد والجماعات لوقاية أبنائنا من هذا الخطر الذي يهدد مستقبل الأمة والمجتمعات ويستنزف جانباً من مواردها المالية وإمكاناتها البشرية، وقد طالبت في مقالات وتقارير عدة، ومحاضرات، ومن خلال كتاب أعددته بعنوان: «وباء المخدرات وخطره على الصحة والمجتمع»، طالبت من ضمن ما طالبت به من مقترحات رجال الأعمال والشركات والمؤسسات التجارية الوطنية للإسهام ضمن مسؤولياتهم الاجتماعية بالمساهمة في التوعية بأضرار المخدرات والمكافحة من خلال دعم برامج التوعية عبر وسائل الإعلام والاتصال بالتنسيق مع الجهات المعينة، وألا نكتفي بأيام وأسابيع فقط، بل تكون الحملة مستمرة لمواجهة هذا الوباء الخطير.
كما أن هذا لا يعفي أولياء الأمور من المسؤولية الأولى لهم لتوعية أبنائهم وتحذيرهم من رفقاء السوء الذين يجرونهم لمستنقع المخدرات، فإذا حصّنا أبناءنا من هذا الداء فلن يجد البائع والمروّج من يبيع عليه ويسوّق له هذا الوباء ويجب أن نعمل على مسارين مسار الوقاية أولاً والمكافحة والعلاج وقد يكون ثمن العلاج باهظاً وهذا ما رأيناه ليس في الخسائر المادية، بل في حوادث الطلاق والقتل والخطف والاعتداء على الأرواح والأعراض وهو ما سمعنا عنه كثيراً من أناس تعدى أذاهم بسبب المخدر على غيرهم إن لم يقتلوا أنفسهم نتيجة تعاطي المخدرات، وهناك نقطة مهمة للغاية يجب أن نعيها جميعاً أن محبة الوطن واجب شرعي، والمواطنة الحقة الحفاظ على الأمن والمكتسبات، ومن ذلك التعاون مع الحملة الأمنية المباركة لمكافحة المخدرات كل قدر جهده وإمكاناته توعية والتبليغ عن المروّجين والباعة والمتعاطين لصناعة وعي مجتمعي عال ضد المخدرات وأهلها.
إن خطر المخدرات في بلادنا الغالية في تزايد مستمر على الرغم من النجاحات الكبيرة التي تحققها الأجهزة الأمنية في قطع كل سبل وصول هذه السموم إلى البلاد وتشديد الرقابة على المنافذ وملاحقة المهربين والمروّجين مما يتطلب تكثيف الوعي من كافة الأجهزة المعينة ومسؤولية الأهل في التحذير والتوعية والرقابة من خلال المناقشات البناءة والهادفة مع الأبناء والاقتراب منهم والاستماع لمشكلاتهم والرد على أسئلتهم وتوضيح الالتباس والغموض وتصحيح الأفكار الخاطئة لدى الشباب، فسلامة العقل وصحة البدن نعمتان حبانا الله بهما ويجب المحافظة عليهما والمحافظة على الفرد لا تقل عن المحافظة على المجتمع والأمة.
وختاماً إليكم يا رجال الأمن الأبطال الأشاوس ممن يسهرون على حماية الوطن والدفاع عنه من كل أذى ومكروه أنتم في جهاد وفي رباط فبلادكم هي قبلة المسلمين، وتحكم بشرع الله وحماية البلاد والدفاع عنها وصيانتها هي من الجهاد المبارك وعملكم من الرباط وهو مطلب شرعي ووطني، وحماية بلادنا حماية للإسلام والمسلمين وحماية لأهلنا وعرضنا وأموالنا: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد» وأن تحموا قبلة المسلمين، وتحموا أموالكم وأعراضكم؛ فهنيئاً لكم بهذا العمل المبارك وهذا فضل من الله - عزَّ وجلَّ- عليكم: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، فعليكم بإخلاص النية لله - عزَّ وجلَّ- واحتساب هذا العمل المبارك والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام وقد هيأ الله لكم جهاد ومحاربة هذا الوباء وهؤلاء الأعداء؛ فهنيئاً لكم هذا العمل وهذا الجهد وهذا الرباط وإليكم شيئاً بشرتم به من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن سهل بن سعد - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها)، وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم وليلة في سبيل الله خيرٌ من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن الفُتّان).
ولا ننسى في هذا المقام رجال سلاح حرس الحدود على وجه الخصوص فعملهم رباط وهو أشبه بملازمة الثغور في حماية البلاد وأهلها من كل عدو وحاقد، وهم في فضل عظيم ومكانة عالية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتنة القبر)، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر المرابط فقال: (من رابط ليلة حارساً من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صلى وصام)، وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله).
حفظ الله بلادنا من كل سوء ومكروه ورد كيد كل عدو في نحره، وجعل تدميره في تدبيره، ورد عليه دائرة السوء وأدام الله علينا نعمة الأمن والإيمان، وحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
** **
alomari1420@yahoo.com