م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - بذور النهضة العربية بدأت تزدهر مع منتصف القرن التاسع عشر، ثم اقتلعت من جذورها منتصف القرن العشرين بسبب دخول الشعوب العربية تحت حكم العسكر وانتشار القمع والفساد والاستبداد، وهدر المقدرات، وزرع الفتن وتهم الخيانات، وتكريه المجتمعات العربية بعضها ببعض.
2 - انطلقت حقبة النهضة المصرية على يد طلبة الأزهر وعلمائها منذ بعثة «رفاعة الطهطاوي» ضمن مجموعة من طلبة جامعة الأزهر عام (1826م).. واعتبر رواد التنوير والتبشير بالنهضة حينها أن الفهم الخاطئ لروح الإسلام فيما يخص المرأة، والمؤسسات التربوية الحديثة، وتهميش العلوم، ومحاربة الفلسفة، واعتبار الحداثة بدعة، هو السبب في تخلف العرب والمسلمين، حيث تم تحويل الإسلام من محفز لتطور الثقافة والعلوم إلى مثبط للتطوير والتنمية.. كما أنهم اتهموا الحكم العثماني بتجميد حركة الفكر والعلوم في العالم العربي عمداً حتى يتمكنوا من السيطرة على مجتمعاتها.. وهذا الذي ساهم في إغراق المجتمعات العربية في الظلام طوال أربعمائة سنة من حكم العثمانيين للعرب.
3 - انقسم الإصلاحيون إبان تلك الحقبة إلى قسمين، القسم الأول: هم المفكرون الذين يلتزمون بأدوار سياسية مناهضة للمستعمر، ويرفضون أية تسوية معه.. والقسم الثاني: وهم من يرى أن التعامل مع المستعمر ضروري من أجل تسريع عملية نقل التحديث، حتى يتم الوصول إلى التحرير بطرق سلمية.. هذا الانقسام الحاد بين هؤلاء الإصلاحيين أوجد شقاً صَعُبَ رتقه.. فالاعتدال عند فئة يعني الجبن عند الأخرى، ومحاولة التحديث عند فئة يعني التغريب عند الأخرى، أما التقدميون عند فئة فقد قابلهم الرجعيون عند الأخرى، وهكذا.. حتى تحولت القضية إلى تحزبات وطاشت المقاصد النهائية أمام المناكفات المباشرة، وأصبح التحزب هو سمة المرحلة.
4 - مع سقوط الدولة العثمانية عام (1923م) صعدت القومية العربية التي تصادمت مع دعاة الدولة القُطْرية، وبرز التناقض السياسي بين أقطابها.. فالقوميون العرب يدعون للوحدة العربية ويناضلون من أجل الاستقلال والتنمية الاقتصادية وتحرير البلاد العربية من الاستعمار وعلى رأسها فلسطين.. أما دعاة الدولة القُطْرية فهم لا يمانعون من وجود القومية العربية، لكن إذا كان لا بد من وحدة عربية فيشترطون أن تكون تحت لواء دولتهم القُطْرية تحديداً.. فلا أحد يريد التنازل عن الحكم لدولة قطرية أخرى في سبيل تحقيق الوحدة العربية المنشودة.. إضافة إلى أن الدول العربية التي اختطف الحكم فيها العسكر عانت من الإخفاقات والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى التفكك الأسري، فانتشر الفقر وعم الفساد وزادت الهجرات هروباً من الوطن.. وحتى يلفت هؤلاء العسكر نظر المجتمع عن إخفاقاتهم التزموا بقضية فلسطين وتحريرها حتى لو كان الثمن تدمير مجتمعاتهم.
5 - حكام الدول العربية من العسكر هم الدعاة الأشرس للقومية والوحدة العربية، وفي سبيل ذلك شنوا حروباً فعلية على الشقيق العربي الذي رفض أن ينضوي تحت حكمهم وتآمروا على زعزعة أمنهم.. كما شنوا حرباً معنوية إعلامية لتشويه صورة المجتمعات العربية الأخرى في ذهنية مجتمعاتهم وكل طرف منهم وصم الآخر بالرجعية والخيانة والتخلف، وكل أوصاف الشتم الواردة في القاموس، حتى أصبح العربي عدواً لشقيقه العربي!