محمد سليمان العنقري
يحتاج كل فرد لتشخيص حالته الصحية لدى معالج صحي مختص ويستخدم لأجل ذلك أدوات تساعده على فهم تلك الحالة مثل الفحوصات المخبرية والأشعة وعندما يتوصل لسبب المشكلة يعطي رأيه بالعلاج المناسب وهذا تماماً ما ينطبق على احتياج الفرد للنصيحة المالية فهو يحتاج لمختص يقوم بدراسة وضعه من حيث الدخل والالتزامات وأسلوبه بالأنفاق وهو ما يسمى بالأدوات المماثلة لتلك التي يستخدمها المعالج الصحي ثم يقوم بوضع الوصفة المناسبة التي يمكن من خلالها تحقيق التوازن بين المصروفات والإيرادات وكذلك تجنيب مبلغ احتياطي أو ادخاري للازمات أو للاستثمار وكذلك يلعب دوراً مهماً بمساعدة الفرد بالتخطيط للحصول على تمويل لأي سبب سواء استهلاكي أو لشراء أصل وكيف يمكن له أن يوازن بين ما سيتبقى من دخله ومصاريفه الأساسية.
من ذلك يتضح أهمية وضرورة أن يتقدم الفرد بطلب تلك النصيحة المالية من مختص يمكن أن يجده في المؤسسات التمويلية نفسها والتي يفترض أن يكون لديها موظفين ذوي كفاءة عالية ومدربين لمثل هذه الأعمال التي تساعد عملاءهم على التخطيط لأمورهم المالية فلديهم مصلحة بذلك حيث إن تعثر العميل هو خسارة للجهة الممولة بنهاية المطاف كما أن ذلك يعد من الخدمات التي تميز المؤسسة عن غيرها فلن يكلفهم ذلك الكثير إذ يمكن لموظف خدمات العملاء الذي يرتب التمويل للعميل أن يتدرب على تقديم تلك الخطط للعملاء من ضمن أعماله، فالإشكالية الحقيقية اليوم أن النصائح تقدم عشوائياً في مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل يفتقر للموضوعية إذ إن مقدمي تلك النصائح يستخدمون أساليب عامة اذ لا يمكن أن تنطبق أي حالة على جميع الأفراد كما أن النظر للنفقات انها مجرد نسب من الدخل ثابتة أو رقم معين ينفق على كل مجال هو تسطيح لمفهوم انفلق الأسر ودوره في النمو الاقتصادي فلا يمكن أن تنطبق حالة بمدينة كبيرة على من بعيش بمدينة صغيرة أو قرية.
وكذلك يلعب اختلاف عدد أفراد الأسرة دورا كبيرا في تحديد نسب الإنفاق من الدخل على بنود نفقات كل أسرة بخلاف وجود التزامات أساسية لدى البعض فمنهم من يعيل أفراد غير أسرته مثلاً أو لديه ظروف تختلف عن الغير ورغم النية الحسنة لمن يقدم تلك النصائح لكن عشوائية الطرح وتعميم رأيه على الجميع يجعل من تلك النصائح غير واقعية وتنتقل لمرحلة تكون مرفوضة وغير متقبلة بل وأحياناً مستفزة، فبعض من يقدمون تلك النصائح يضعون أنفسهم كنماذج ناجحة ويعتبرون ذلك حجة على من لا يستطيع تحقيق التوازن بين مصروفاته وإيراداته او عندما يتحدثون عن نجاحهم بزيادة دخلهم من خلال مشاريع صغيرة نجحوا بها فأيضاً ذلك لا يعد من باب النصح المفيد عندما يقدم بطريقة تشعر الآخر أنك اقل نشاطاً أو ذكاءً فاستعراض هذا النجاح لا يعدو أن يكون من باب التفاخر ليس أكثر فلا يمكن أن يصبح كل فرد تاجراً بنهاية المطاف فالادوار بالحياة الاقتصادية تتوزع بين تاجر وعامل ومبتكر و مستشار والكثير من الأعمال التي يشغلها الأفراد فلا يعني انك لن تصبح بوضع مالي جيد إلا إذا اتبعت نصيحة من نجح بتجارة ما وان ذلك هو السبيل لزيادة دخلك فما تملكه من تخصص هو بوابة لتحقيق أهدافك ولذلك فإن النصائح من المختصين لا تقتصر على طبيب أو مهندس أو مخطط مالي بل أيضا مختص بالموارد البشرية وتنمية قدرات الأفراد ومساعدتهم بمعرفة ما يطور أمكانياتهم بمجالهم فكل شيء بالحياة له مختصون به ولا يمكن أن تعتبر نجاحك بزيادة دخلك هو شهادة تخصصية تتيح لك تقديم النصح بكل شيء فهو ليس من باب الثقة بالذات بل مرحلة أولية من الغرور والشعور بأن هذا النجاح نابع من قدرات خارقة تمتلكها فقد تكون خبرتك بما نجحت به أتت من كونك مررت بدورة رواج اقتصادي أي أنك لم تختبر قدراتك في حال تراجع النشاط الاقتصادي سواء العام أو الخاص بالقطاع الذي تستثمر به فالخبرة الحقيقية تأتي من التعامل مع أغلب الظروف المتباينة بالأسواق.
الاختصاصات وجدت لكي يتوفر بالاقتصاد رأس مال بشري متنوع المجالات ولتكتمل منظومة العمل بالموارد البشرية و(بتاع كلو) هذا أمر انتهى في دول كثيرة متقدمة منذ زمن بعيد لذلك تطورت الأعمال لديهم ونضجت شعوبهم بمعرفة ما يلزمها من نصح بكل أمر يحتاجونه لأنهم يذهبون للمرفق المختص ويأخذون الرأي من أشخاص درسوا وتعلموا وتدربوا على أعمال أعطتهم الميزة لتقديم تلك النصائح وهذا ما يحتاجه مجتمعنا أن تزداد التوجهات للمختصين دون اللجوء لاجتهادات من أفراد لا يمكن لهم أن يستخدموا النماذج الصحيحة لتقديم المشورة والنصح.