سهوب بغدادي
السيناريو البديهي والمعتاد الذي أتعرّض له منذ نعومة أظافري عند دخولي أي مكان أو لقائي أي شخص كالتالي، السلام عليكم، عليكم السلام، كيف حالك معك فلان بن فلان، ونعم، معك سهوب بغدادي، «ايش؟» سهوب، «ايش» «س ه و ب هجاء» غريب جدًا، أول مرة أسمع بهذا الاسم! نعم إنه غريب فعلاً، «حتى أنا لم أسمعه من قبل -محاولة إنهاء الموضوع- ما معناه؟ من ثم أقوم بسرد المعنى من لسان العرب لابن منظور من ثم قاموس المعاني، مرورًا بموسوعة ويكيبيديا علاوةً على تضمين المواقع الجغرافية الداعمة، وعندما نصل إلى هذه المرحلة نستطيع إكمال الحديث العادي، أو حتى بدء المقابلة الوظيفية وما إلى ذلك من المواقف، لذا قررت أن أقوم بعرض مغر للأهل والأصدقاء والدائرة المحيطة، بأن من يسمي ابنته سهوب سيحصل على ما يُعرف «بالسماوة» وهي عطية للطفل الذي يحمل ذات اسم المعطي، وأزيد على العرض بأن تكون السماوة بشكل سنوي، فلم أفلح في خطتي، ولم أشعر بالسوء أو الحنق على هؤلاء لعدم تلبيتهم رغبتي بنشر وتعميم الاسم، بل ألتمست لهم العذر، من هذه القصة المشابهة لما نعترضه بشكل متكرر من النعمة التي قد تتحول إلى نقمة والفرحة التي تنقلب إلى ضدها، عندما تعلن المرأة عن حملها، فتبدأ الاقتراحات بالتسمية على أم الزوج في حال كانت أنثى أو اسم الأب إذا كان ذكرًا، وتتشعب المطالبات من الأخوات والأخوة والأعمام وما على، وقد رأينا من الإشكاليات حول تسمية المولود والتداعيات المرتبطة بها على الأم الحامل التي تمتعض تارة وتداري تارة أخرى، وقد ترضخ لمطالبات الزوج وأهله، فلا تريد أن تنسف تلك الفرحة بإبداء رغبتها بتسمية ما حملت في أحشائها تسعة أشهر، وفي ذات الوقت تعد تسمية الطفل في حد ذاتها فرحة للأبوين، الشاهد في الموضوع أننا لا نستطيع الوقوف في صف طالب الاسم أو الرافض، فالأب على سبيل المثال يريد أن يدخل البهجة والسرور إلى قلب والديه بتسميته عليهما، وفي حال لم توافق الأم فهي كذلك غير ملامة بالنظر على أسماء الجيل الجديد، فضلاً عن كون بعض الأسماء ترتبط بالمكان والبيئة اللصيقة، وبالاستناد على التغييرات والانفتاح الذي نعاصره وسيعاصره الطفل مستقبلاً فقد يتسبب له اسمه بالحرج أو بعض الصعوبات، هو/هي في غنى عنها، وقد يقوم الطفل بتغيير اسمه بالكلية بعدما يكبر، فالمسألة صبحت سهلة ويسيرة مع التعاملات الرقمية وليست كالسابق، وما قصدت بالانفتاح كالابتعاث والسياحة وغيرهان المعطيات الحديثة التي ستصبح معتادة في زمن فلذات أكبادنا. كان لي صديقة في الولايات المتحدة عرفتها في المعهد، كانت ذكية جدًا - حفظها الله- وحصلت على الدرجة الكاملة 100 % في الاختبار التحصيلي والقدرات عام 2011 إن لم أنس، كان أحد الإداريين يكن لها الضغينة بناءً على موقف عابر انتهى في تلك اللحظة، إلا أنه كان يتحيّن الفرص لإثارة غضبها، على سبيل المثال دخلت هيلة مكتب الإداري وكنت مسبقًا هناك لطلب أوراق معينة، فقال لها دون سابق إنذار باللغة الإنجليزية، اسمك هيلة؟ أليس يعني حبة هيل؟ ثم نظر لي قائلاً غريب جدًا، لماذا لا يسمونها مجموعة هيل؟ ما الفائدة من حبة «هيلة» واحدة!
بالطبع هيلة قالت نعم هذا المعنى لاسمي وأخذت أوراقها وتركت المكتب على عجل، فقلت له يا فلان إن هذا الاسم جميل ويدل على الكرم باعتبار أن الهيل مكوناً أساساً في القهوة التي نعملها لاستقبال الضيوف، فقال»آه، شكرًا على التوضيح، ولكن لا يزال اسمًا غريبًا ولا أعلم ما الذي يفكر فيه الأهالي الذين يسمون أطفالهم به»، من هذا الموقف الذي أتمنى ألا يتكرر أو يقع فيه شخص، نجد أن طرفي النزاع على حق، فالأم تخاف على ابنها وابنتها وتنتظر فرحة طال انتظارها، وهذه الجدة أو الجد قاما ببناء آمال قديمة وتعليقها على أبنائهما منذ أمد بعيد، فأرى أن أنفع حل هو النظر في الموضوع من ناحية عقلانية، فليست كل الأمور تستحق العناء والمعافرة، وبالطبع إن كان الاسم لا يحتمل معنى طيباً أو سلبياً فلا يصح أن يسمى به، وإن كان جيدًا وصالحاً لكل زمان ومكان كـ سارة ونورا وفاطمة، فلا بأس من إدخال البهجة على قلب الجدة، وفي حال كان الاسم قديمًا بالنسبة لأقران الطفل «دون ذكر أسماء» فالأمر يتطلب التفكير والوصول إلى حل وسط كأن يتم تسمية اسم مشتق من الاسم الأساس مثالاً.
في الختام، أحب أن أوصل رسالتين، الأولى أن التسمية على الأب والأم لا يعد برًا بهما فلم يرد نص على ذلك، فما الفائدة من الاسم إذا ما كان ابني لا يبرني ولا يحسن إلى في أبسط الأمور اليومية؟ فالبر لا يتجزأ ولا يتم حصره في اسم، وإن كان من باب الزيادة في الخير، أخيرًا، إن لكل شخص من اسمه نصيبا، والشخص من يضفي على اسمه حلاوة أو مرارة فكم من فلان هين لين سمح كريم، جعلك ترى اسمه بمنظور آخر وتحبه نتيجة لأفعاله وصفاته، وكم من فلان أصابك بالنفور من كل شخص يحمل اسمه.
ذكر أبو داود في السنن عن أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم».