أوكل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إلى الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري -رحمه الله- مهمة تولي إمارة منطقة الجوف سنة 1362هـ/1943م، وهي المنطقة الأقرب للحدود السعودية مع العراق، في وقت لم تنشأ فيه إمارة منطقة الحدود الشمالية، فأصبح الأمير عبدالرحمن السديري بما يمتلكه من قدرات عالية مؤهلاً لرئاسة اللجنة السعودية والاجتماع مع اللجان العراقية ومناقشتها في الموضوعات المتعلقة بقضايا الحدود بين البلدين.
وقدّم الأمير عبدالرحمن السديري إسهامات حضارية انعكست إيجابًا على منطقة الجوف، حيث لم تكن علاقته بالجوف وأهلها تتمثل بالمسؤول عن وظيفة إدارية فحسب، بل كانت علاقة إنسانية استمرت خلال الفترة (1362-1410هـ)، وقد جسّد هذه العلاقة في مناسبات كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها، ولتفاصيل أكثر يمكن الرجوع إلى كتاب (فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال.. عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف, الذي نشرته مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية).
تولى الأمير عبدالرحمن السديري الإمارة في سِنٍّ مبكرة جدًّا وعمره أربعة وعشرون عامًا، وخلال فترة عصيبة جدًّا تخللتها أحداث أواخر الحرب العالمية الثانية، واعتزل العمل لأسباب صحية سنة 1410هـ/1990م، وتوفي رحمه الله في سنة 1427هـ/2006م.
تولى الأمير عبدالرحمن السديري إمارة منطقة الجوف بعد فترة عقدين من انضمامها لحكم الملك عبدالعزيز، لذا لم تكن المهمة سهلة، فكان عليه بذل المزيد من الجهود الداخلية في إمارة المنطقة وكذلك الجهود الخارجية لمناقشة تلك القضايا الحدودية، والتي كُلّف بها بدايةً أخوه الأمير عبدالعزيز بن أحمد السديري -رحمه الله- أمير القريات ومفتش الحدود الشمالية الغربية سنة 1357هـ/1938م وناقش الأمير عبدالعزيز السديري عددًا من تلك القضايا وترأس عددًا من الاجتماعات المتعلقة بقضايا الحدود السعودية العراقية وقدّم العديد من التوصيات والحلول التي أسهمت في تقدم تلك القضايا تقدمًا إيجابيًّا انعكس على الجوانب الأمنية في المنطقة، إلا أن الملك عبدالعزيز قام بتفريغ الأمير عبدالعزيز السديري لقضايا الحدود السعودية الأردنية في حين أوكل مهمة استكمال مناقشة قضايا الحدود السعودية العراقية إلى أخيه الأمير عبدالرحمن السديري اعتبارًا من يوم الخميس 2 جمادى الآخرة 1368هـ، الموافق 30 مارس 1949م.
كان اجتماع الليفية أول اجتماع برئاسة الأمير عبدالرحمن السديري وعضوية أمير لينة سليمان الشنيفي - رحمه الله ، وأمير الحفر صالح بن عبدالواحد -رحمه الله- وأمير المعانية إبراهيم بن عمار -رحمه الله- بينما تكونت اللجنة العراقية من مطشر السعدون -رحمه الله- وعبدالصاحب علي -رحمه الله- وآمر مخفر المعانية العراقي ومأمون معاون الشبكة خلف إبراهيم -رحمه الله-.
وكان الموعد المتفق عليه لاجتماع الليفية بتاريخ 5 رجب 1368هـ، الموافق 1 مايو 1949م، إلا أن ظروف اللجنة العراقية كانت سببًا في تأجيل الاجتماع لأربعة أيام، وفعلاً توجه الأمير عبدالرحمن السديري إلى الاجتماع، حيث عقدت اللجان اجتماعاتها اليومية خلال الفترة من (9-29 رجب 1368هـ، الموافق 6-26 مايو 1949م).
ومن الاجتماعات التي ترأس فيها الأمير عبدالرحمن السديري اللجنة السعودية لمناقشة قضايا الحدود مع العراق اجتماع الجديدة سنة 1373هـ/1953م الذي استمرت مداولاته لمدة أسبوعين نظرًا لانتظار الأمير عبدالرحمن السديري وصول بعض الأوراق المتعلقة بتلك القضايا من المفوضية السعودية في بغداد.
أما الاجتماع الذي سوف أركز الحديث عنه هنا هو الاجتماع الذي كان في يوم الاثنين 12 ذو القعدة 1375هـ، الموافق 21 يونيو 1956م حيث اجتمعت الهيئة السعودية برئاسة الأمير عبدالرحمن السديري بالهيئة العراقية برئاسة السيد خلف إبراهيم في موقع المعانية لمناقشة موضوع الادعاءات العراقية المتعلقة بتبعية فيضة أم قليب، وبدأت الهيئة العراقية حديثها بأنها: تعتقد بأن فيضة أم قليب تقع شمال خط الحدود ما يعني أن هذه الفيضة تتبع ملكيتها للحكومة العراقية، على أنها ترى التريث حتى تنظر في رأي الخبراء الفنيين من الطرفين تجاه تحديد موقع الفيضة على خريطة الحدود.
وجاء رد الأمير عبدالرحمن السديري على ذلك: أن اللجنة السعودية واثقة تمام الثقة من تبعية فيضة أم قليب للمملكة العربية السعودية معتمدةً في ذلك على ما يلي:
1- بنود بروتوكول العقير رقم (1) الموقّع بين الحكومتين: السعودية والعراقية عام 1341هـ/1922م، الذي وضّح الخط الحدودي المستقيم الواصل بين الليفية وقصر عثيمين، حيث يوضح هذا الخط أن موقع فيضة أم قليب إلى الجنوب منه داخل الحدود السعودية.
2- الاستناد على البرقية المرسلة من مدير البادية الجنوبية العراقية إلى الأمير عبدالعزيز بن مساعد أمير منطقة حائل، برقم (40)، وتاريخ 1 صفر 1373هـ المدوّن فيها اعتراف مديرية البادية الجنوبية العراقية أن فيضة أم قليب تقع ضمن الأراضي السعودية.
3- إقرار مدير مديرية البادية الشمالية العراقية ومدير مديرية البادية الجنوبية العراقية أن فيضة أم قليب تقع داخل أراضي المملكة العربية السعودية عند مطالبتهما للحكومة السعودية ببعض القضايا الواقعة في فيضة أم قليب، والتي تم توثيقها في الصفحة السادسة من القرار رقم (23) المتضمن كشف المدعيات العراقية المقدم إلى اجتماع جديدة عرعر عام 1373هـ/1953م.
4- الاستشهاد بالوضع الحالي للفيضة وحق الاستعمال لها، حيث إن المملكة العربية السعودية لا تزال حتى تاريخ هذا الاجتماع تمارس سيادتها على فيضة أم قليب ممارسة كاملة.
وجاء رد الهيئة العراقية: أن الهيئة العراقية لا تعترف بما استشهدت به الهيئة السعودية من برقيات ومخاطبات ومحاضر اجتماعات رسمية، لكونها أخطاء موظفين لا تلزم الحكومة العراقية بشيء مما ورد فيها، وأن الرأي الأخير في هذه القضية يعود إلى أعضاء المسح الفنيين في اللجنتين: السعودية والعراقية وفق ما يتم تحديده من قبلهم حول موقع فيضة أم قليب.
وهو نوع من محاولة التنصل من الالتزامات السياسية السابقة، علمًا بأن هؤلاء الأشخاص السابقين الذين استشهدت الهيئة السعودية ببرقياتهم وخطاباتهم ومحاضر اجتماعاتهم هم أنفسهم الذين أرسلتهم الحكومة العراقية ممثلين لها في هذا الاجتماع، ما يعني أن رأيهم يمثل رأي الحكومة العراقية الرسمي وليس رأي أشخاص كما تقول الهيئة العراقية.
وبما أن الهيئة العراقية جعلت الرأي الأخير في هذه القضية يعود إلى اللجنة الفنية المنبثقة عن الهيئتين والمكونة من خبراء فنيين يقومون بالذهاب إلى موقع فيضة أم قليب للقيام بمسحه وتحديد موقعه على خريطة الحدود بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض وفق المواد الواردة في بروتوكول العقير رقم (1)، قامت الهيئة السعودية بانتداب خبراء مسح فنيين من قبلها للمشاركة مع الخبراء المنتدبين من الحكومة العراقية في أعمال المسح وتحديد موقع فيضة أم قليب على خريطة الحدود بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض حرصًا من المملكة العربية السعودية على استمرار علاقات الأخوة والصداقة وحسن الجوار التي تربطها بالعراق، ولتؤكد الهيئة السعودية وجهة نظرها إضافة لما أكدته البرقيات والأدلة التي قدمتها في ذلك الاجتماع.
وبعد ذلك اتفقت الهيئتان السعودية والعراقية على أن يقوم خبراء المسح الفنيون في الهيئتين بالعمل كلجنة واحدة مشتركة تتكون من خبيرين من كل جانب، وتقوم هذه اللجنة بمسح المنطقة والعمل على تحديد موقع أم قليب على خريطة الحدود بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض وفق الطبيعة وعلى أساس ما ورد في الفقرة (د) من بروتوكول العقير رقم (1)، على أن تبدأ أعمال المسح بتاريخ 22 ذو القعدة 1375هـ، الموافق 1 يوليو 1956م، وأن يستعملا طريقة المسح بواسطة التقاطع متخذين من المثلثات التي وضعتها اللجان السابقة على خريطة الحدود خلال الفترة (1338-1340هـ) بقياس (1، 20000) وذلك لأجل التوصل إلى الغرض المطلوب، على أن يرفع خبراء المسح الفنيون المشار إليهم نتيجة المسح التي يتوصلون إليها إلى الهيئتين: السعودية والعراقية لإقرار النتيجة.
وكتب رئيس الهيئة العراقية إلى رئيس الهيئة السعودية خطابًا يطلب فيه تأجيل موعد المسح المتفق عليه ليتسنى له مخاطبة مديرية المساحة العامة لترشيح خبير المسح الفني الثاني وتحضير الخرائط والمعلومات اللازمة لإجراء المسح.
وحيث إن رئيس الهيئة العراقية لم ينتظر جواب رئيس الهيئة السعودية وغادر الموقع متجهًا إلى العراق؛ كتب الأمير عبدالرحمن السديري ردًّا إلى مدير مديرية البادية الجنوبية العراقية يقول فيه: «كان السيد خلف إبراهيم قد تقدم بطلب تأجيل موعد المسح المتفق عليه مسبقًا، بتاريخ 22 ذو اقعدة 1375هـ، الموافق 1 يوليو 1956م استنادًا على برقية وردته من مدير مديرية البادية الجنوبية، برقم (2534)، وتاريخ 1 يوليو 1956م، وحيث إنه من المؤسف أن السيد خلف إبراهيم قد غادر المعانية قبل أن يتلقى ردًّا منا؛ فإننا نورد فيما يلي جوابًا على طلب التأجيل المذكور:
أولًا:- إن المملكة العربية السعودية تعتبر موقع فيضة أم قليب تابعًا لها لوجوده داخل حدودها، ولديها ما يثبت استعمالها لهذا الموقع.
ثانيًا:- إن الموظفين المختصين بالمسح التابعين لحكومة المملكة العربية السعودية على أتم الاستعداد والجاهزية الآن للقيام بعملهم في حال وصل إشعار من وزارة الخارجية العراقية إلى وزارة الخارجية السعودية بالموافقة على إجراء المسح لفيضة أم قليب وتحديد موقعها فنيًّا وقبول نتيجة العمل الفني لتحديد موقعها.
ثالثًا:- أما بخصوص طلب التأجيل فإننا نعتبر مهمتنا قد انتهت، وعندما تُقرر الحكومة العراقية القيام بهذا المسح مستقبلًا فعليها أن تتواصل عن طريق وسائلها السياسية بحكومة المملكة العربية السعودية للقيام بذلك».
هذا تصرف دبلوماسي نفذه الأمير عبدالرحمن السديري بحنكة حين اعتبر مغادرة رئيس الهيئة العراقية إيذانًا بانتهاء أعمال اللجنة، وأن على الحكومة العراقية في حال رغبت في استكمال الأعمال أن تخاطب بطرقها الدبلوماسية حكومة المملكة العربية السعودية، مما يعني انتهاء المناقشات المباشرة فيما بين الأمير عبدالرحمن السديري والمسؤولين العراقيين المتعلقة بهذا الجانب، وهذا الأمر ساعد على إغلاق هذا الملف نهائيًّا.
وأعدّ الأمير عبدالرحمن السديري تقريرًا أوضح فيه تفسيراته للأحداث المتعلقة بذلك، ومنها تفسيره للمادة (د) من بروتوكول العقير رقم (1) الموقّع بين المملكة العربية السعودية والعراق سنة 1341هـ/1922م، حيث ذكر أنها تقول: «.. ثم إلى قصر عثيمين، ومن هناك يمتد خط الحدود إلى الغرب بخط مستقيم ويمر من وسط جبال البطن إلى بئر الليفية»، حيث فسّرها الجانب العراقي بأن خط الحدود يمر بجانب البطن، بينما فسّرها الأمير عبدالرحمن السديري بأن الخط يمر في وسطه لا من جانبه، وهو التفسير الصحيح.
كما استشهد الأمير عبدالرحمن السديري بنتائج المسح المشترك من قبل الحكومتين: السعودية والعراقية خلال الفترة (1938-1940م)، والذي بناءً عليه جرى تبادل الخرائط التي تتضمن مثلثات مواضع المسح وعليها رسم خط الحدود بين البلدين.
ولم تقف جهود الأمير عبدالرحمن السديري عند هذا الحد من الوعي التاريخي، بل إنه أرفق رحمه الله برقية سابقة بعث بها مدير مديرية البادية الجنوبية العراقية إلى الأمير عبدالعزيز بن مساعد ـ رحمه الله ـ وفيها: (أن جريمة قتل لشخصين عراقيين وقعت في موضع فيضة أم قليب، يقول فيها مدير مديرية البادية الجنوبية العراقية: وحيث إن هذه الجريمة وقعت داخل الحدود السعودية، لذا ترجو الحكومة العراقية قيام الحكومة السعودية بالتحقيق في هذه الجريمة والتفضل بإعلامها بالتفاصيل).
ومرفق بالبرقية استشهاد من التبليغ عن جريمة القتل والمقدم من أحد بادية العراق الذي يفيد بأنه: (عندما كان مع إبله التي ترعى في أرض الفهدة علم بخبر سرقة لأغنامهم، فتحرك هو ورفيقاه حتى وصلوا أم قليب داخل الحدود السعودية، وفيها تصادفوا مع أهل ست ركايب وحدث بينهم إطلاق نار نتج عنه: قتل رفيقيه).
فنجد أن الأمير عبدالرحمن السديري استشهد بما ورد في البرقية الرسمية على لسان المسؤول العراقي، وكذلك بما ورد في بلاغ المدعي من بادية العراق من أقوال تدل على أن أم قليب هي جزء من أراضي المملكة العربية السعودية.
وكذلك استشهد الأمير عبدالرحمن السديري بما تضمنته كشوفات اللجنة العراقية من مدعيات تقدمت الحكومة العراقية بطلبها خلال اجتماع جديدة عرعر سنة 1373هـ/1953م، حيث ذكر الأمير عبدالرحمن السديري أنه ورد في الصفحة السادسة من تلك الكشوفات القرار رقم (23): أن أحد المشتكين من بادية العراق يتهم أشخاصًا من بادية السعودية بجريمة قتل وقعت في فيضة أم قليب داخل الحدود السعودية بتاريخ 4 أكتوبر 1953م، وكان قرار اللجنة ينص على ما يلي: «بما أن الحادثة وقعت داخل الأراضي السعودية، لذا تحصّل الدية وتخبر السلطات العراقية بذلك»..
وكذلك استشهد الأمير عبدالرحمن السديري بأن أعضاء اللجنة الذين كتبوا ذلك في اجتماع جديدة عرعر عام 1373هـ/1953م هم أنفسهم الممثلون الحاليون للهيئة العراقية.
وعبّر الأمير عبدالرحمن السديري عن دهشته واستغرابه لتنصل الممثلين العراقيين من هذه الأدلة ومحاولة الفصل بين أعمال الموظفين العراقيين والحكومة العراقية مبينًا أن مثل هذا الرد يعتبر أمرًا مستغربًا في العرف الدولي، فالمألوف دبلوماسيًّا: «أن ما يصدر عن الموظفين الحكوميين من أقوال أو أعمال يعتبر ملزمًا لحكوماتهم طالما أنهم على رأس العمل ويتمتعون بثقة حكومتهم التي خولت لهم تلك السلطة والصلاحية، ولذلك يعتبر هذا الرد العراقي ردًّا غير مقبول من حيث المنطق والعرف الدولي، وما هو إلا محاولة للتهرب من الالتزامات السابقة».
كما قام الأمير عبدالرحمن السديري بمقارنة الخريطة الحدودية الموجودة معه بالخريطة الموجودة مع رئيس الهيئة العراقية، فوجد أن الهيئة العراقية تستند على خريطة عامة قديمة لا تحدد المواضع المهمة كموارد المياه المشهورة، وهي خالية من مثلثات المسح المشتركة فلا يوجد فيها إشارة تدل على تلك المثلثات، مما يعني أنها خريطة عام 1918م البريطانية، وهذا هو السبب في وقوع الهيئة العراقية في خطأ تحديد موقع الفيضة بأنه شمال خط الحدود، بينما هو في خرائط الهيئة السعودية الأكثر تفصيلًا يقع جنوب خط الحدود، وأبدى الأمير عبدالرحمن السديري تعجبه من عدم اعتماد الهيئة العراقية على الخرائط المتبادلة مؤخرًا بدلًا من هذه الخريطة القديمة.
وبيّن الأمير عبدالرحمن السديري أنه على الرغم من كل الحقائق التاريخية الرسمية فإنه تماشى مع طلب الهيئة العراقية في إجراء المسح لموقع فيضة أم قليب بعدما تشاور مع خبراء المسح الفنيين الذين حضروا معه من شركة أرامكو وأفادوه بأن عملية المسح تثبت حق المملكة العربية السعودية في هذه الفيضة، ولهذا اشترط الأمير عبدالرحمن السديري على الهيئة العراقية قبوله قيام الخبراء الفنيين بعملية المسح للفيضة شريطة الاعتراف بالنتيجة التي يتوصل إليها هؤلاء الخبراء، حيث أعد الأمير عبدالرحمن السديري محضرًا بذلك وأخذ توقيعاتهم عليه موردًا في المحضر عبارة تحفظ حق المملكة العربية السعودية في فيضة أم قليب مهما كانت نتائج المسح الفني، والتي تقول: «علمًا بأننا نحتفظ بحق تملكنا للفيضة وأن قبولنا لمبدأ المسح هو من قبيل التأكيد للهيئة العراقية، مع أنه بالإمكان الاكتفاء باعترافات الموظفين العراقيين والوقوف عندها كدليل قاطع دون الموافقة على إجراء المسح الفني».
ويشير الأمير عبدالرحمن السديري إلى أنه طلب من خبراء المسح الفنيين السعوديين الذهاب إلى موقع فيضة أم قليب والكشف عليه بصورة مبدئية، وبعد ظهور نتيجة الكشف المبدئي ومناقشتها تذمر مهندس المسح الفني العراقي وسخط من النتيجة التي تثبت أن موقع الفيضة داخل أراضي المملكة العربية السعودية، وطالب الجانب العراقي بإدخال بعض التعديلات المرتجلة بشأن الطريقة التي يرغبون في اتباعها خلال عملية مسح الموقع، ولم يمانع الأمير عبدالرحمن السديري من إدخال تلك التعديلات حيث كانت شكلية ولا تمس الجوهر.
ويفيد الأمير عبدالرحمن السديري أن الهيئة السعودية حضرت حسب الموعد المتفق عليه مع الهيئة العراقية إلى الموقع لإجراء عملية المسح، بتاريخ 22 ذو القعدة 1375هـ، الموافق 1 يوليو 1956م، غير أن الهيئة العراقية لم تحضر في الموعد المحدد، وحضر في صباح اليوم التالي رئيس الهيئة العراقية وعرض عليه برقية يطلب فيها تأجيل عملية المسح ليتمكنوا من إحضار خبير مسح فني عراقي ثانٍ وليقوموا بتجهيز الخرائط والمعلومات اللازمة لعملية المسح، فأبلغه الأمير عبدالرحمن السديري أن طلب التأجيل يناقض الاتفاق السابق وأنه لا يملك صلاحيات الإجابة عليه، ولذلك عرض عليه الأمير عبدالرحمن السديري أن يستقدم معه مهندس المسح الفني الذي كان بصحبته سابقًا والاكتفاء به ليشترك هذا المهندس العراقي مع واحد من خبراء المسح الفنيين السعوديين الموجودين مع الأمير عبدالرحمن السديري في الموقع لإجراء عملية المسح، فأجاب رئيس الهيئة العراقية أنه لا يستطيع القيام بذلك، على أن رئيس الهيئة العراقية لم ينتظر حتى يتلقى جوابًا على طلبه التأجيل مما يدل على رغبته في فرض التأجيل على حكومة المملكة العربية السعودية.
ولذلك رفع الأمير عبدالرحمن السديري برقية إلى جلالة الملك سعود يلتمس فيها الموافقة على وضع شرط وهو دفع نفقات المسح في حال مطالبة الحكومة العراقية بإجرائه لموقع فيضة أم قليب، يدفعه الجانب الذي يتضح بطلان دعواه، حيث إن هذا الشرط من شأنه أن يبين مدى ما إذا كان الجانب العراقي لا يزال واثقًا من دعواه أم أن هذا الادعاء من قبيل محاولة توسيع المناقشات.
وقدّم الأمير عبدالرحمن السديري توصيات جاء فيها:
أولًا:- محاولة إقناع الحكومة العراقية - بالطرق الدبلوماسية - بضرورة إبعاد معاون مخفر الشبكة عن الحدود السعودية لكونه يثير المشكلات بين بادية المنطقة (السعوديين والعراقيين)، الأمر الذي ينعكس سلبًا على العلاقات السعودية العراقية.
ثانيًا:- في حال قيام الحكومة العراقية بادعاء مماثل لما حدث في فيضة أم قليب، فيستحسن دراسة هذا الادعاء من جميع جوانبه من قبل الموظفين المختصين أولًا قبل الإجابة عليه.
ثالثًا:- هناك نقاط ثلاث سبق للأمير عبدالرحمن السديري الرفع بها ويجب تفعيلها الآن، وهي:
1-تسيير الدوريات فيما بين مركز المعانية ومركز انصاب في كل شهر مرتين على الأقل، وأن تسلك هذه الدوريات نقاط الحدود المعترف بها في بروتوكول العقير، مثال على ذلك: (العقبة- قصر عثيمين- الليفية) مستخدمين أدلاء أكفاء يدلونهم على الخط المستقيم دون المساس بالحدود العراقية.
2-تعميد عمال الزكاة بأن يبقوا على عهدهم السابق في أخذ الزكاة من جميع العشائر المتواجدة في فيضة أم قليب، حتى لا تستنتج الحكومة العراقية وجود شك بتبعية الفيضة للحكومة السعودية.
3-تكليف الأمير عبدالعزيز بن مساعد أمير منطقة حائل بإعداد كشوفات سنوية للأعوام الماضية تتضمن أسماء جميع من قام بأداء الزكاة من عشائر البادية للحكومة السعودية في فيضة أم قليب مع بيان المعلومات التفصيلية.
رابعًا:- من المفيد جدًّا حصول موظفي المراكز الحدودية على خرائط واضحة للمناطق الحدودية التي تقع ضمن نطاق اختصاصاتهم، فذلك يساعدهم على أداء مهامهم بنجاح.
وفي ختام هذه المقالة نجد أن الأمير عبدالرحمن السديري قد أسهم بشكل كبير جدًّا في حفظ أمن الحدود السعودية والدفاع عن قضايا المملكة العربية السعودية بكل إخلاص وتفانٍ، هذا فضلًا عن جهوده الإدارية في خدمة المنطقة وأهلها، مما يجعله ضمن مقدمة رجال الملك عبدالعزيز الأوفياء؛ وهو أمرٌ أنتهز الفرصة من خلاله لأوجه رسالتي إلى القائمين على برنامج (رجال عبدالعزيز) في التلفزيون السعودي بأن يخصصوا حلقة عنه في الجزء الثالث، ولا شك أن جميع أبناء الأمير أحمد بن محمد السديري رحمهم الله يعدون من أبرز رجال الملك عبدالعزيز إضافة إلى كونهم أصهاره وأقرباؤه، ويستحقون إدراجهم ضمن حلقات رجال الملك عبدالعزيز التلفزيونية.
** **
- د. نايف بن علي السنيد الشراري