د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
التأمت الجامعة العربية بقيادة سعودية في جدة في 19 مايو 2023 في سابقة عربية في عودة سوريا، في لحظة تاريخية فارقة للعرب، الخط الدبلوماسي العربي الذي تقوده السعودية غير معالم إقليم كان ملتهباً، وتحت هذه السقوف لم ترتد السعودية القفازات الناعمة قبل أن تشحن قوتها دولياً.
قياساً على السنوات العجاف مالت قمة جدة مزوّدة بقوة دفع تفاؤلية بعد قمم عربية كانت ترتبط بواقع مر بالتنديد وتنتهي بعدة مراسم عزاء، فيما العالم يمر بتحديات كبيرة تفرض علينا الوحدة.
قمة جدة أمام لحظة تاريخية برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء التي تتحرك وفق خطط ودبلوماسية تتحرك تجاه دول الاعتدال العربي لوضع حلول عاقلة تستخدم لغة الحوار، وفق مقاربة عربية عربية وبأفكار عربية ذات صياغة عربية، خصوصاً في ظل أن الولايات المتحدة لم تعد متفردة بالعالم كما كانت بعدما أصبحت أولويتها الإستراتيجية مواجهة الصين وترويض روسيا وإبعادها عن أوروبا.
ركزت السعودية على تلقف الملفات العربية بعيداً عن التدخل الخارجي، مثال ذلك تناول الملف السوداني بعيداً عن التدخل الخارجي، وهو ما أكده سمو ولي العهد في القمة من أن العرب يؤكدون للشرق والغرب أن العرب لن يسمحوا أن تتحول منطقتهم إلى ميادين للصراعات، لذلك سميت القمة بقمة لم الشمل، لتجاوز السنوات العجاف التي عاشتها منطقتنا العربية خلال ما يُسمى بالجحيم العربي الذي أدمى قلوب الجميع لينطلق إلى مرحلة جديدة.
بحثت السعودية في الفترة الماضية عن المصالح السعودية، وتدوير الزوايا الخارجية بإقامة علاقات متعددة ومع الجميع بعيداً عن أي استقطاب، أو الصدام مع أي قوة، ولكنها تبحث بشكل خاص عن تعزيز الأمن العربي، وكان لديها خطط مع جميع أطراف اللعبة الدولية، لأنها تدرك أنها أمام عالم يعاد تشكيله غير معروف أين يتجه، لكن الزعامة السعودية أرادت ألا تغيب عن هذا التشكيل الجديد حتى لا يكون هذا التشكيل ضد المصالح السعودية العربية، والذي هو ثمرة سياسات سعودية مع روسيا في أوبك+ حققت فيه السعودية انتصاراً اقتصادياً وسياسياً عندما رفضت الابتزاز وتسييس ملف النفط بعيداً عن الأبعاد الاقتصادية.
أي أن هناك تحولات إقليمية ودولية أبرزها عودة العلاقات بين الرياض وطهران في 10 مارس 2023 توصلت السعودية وإيران برعاية بكين إلى مصالحة وفق خطوة خطوة بدلاً من الحلول الجوهرية، وهو ما انعكس مباشرة على البحث عن حلول سلمية في اليمن وإعادة تأهيل سوريا، وفق معادلة لا منتصر ولا مهزوم، وأيضاً الحرب الروسية في أوكرانيا التي انعكست آثارها على المنطقة العربية سلبا كان أو إيجاباً.
حيث يعيد العرب صياغة العلاقات المشتركة بالمحيط الإقليمي المجاور، وكذلك إقامة علاقات مشتركة مع الولايات المتحدة والصين في ظل الإستراتيجية المتجاذبة بينهما.
عقدت القمة في جدة بشكل اعتيادي لكنها عقدت في ظروف استثنائية من حيث الظروف، وركزت مخرجاتها على البعد الخارجي بتجاور الـ22 دولة لإيجاد حلول عربية مع دول الجوار إيران تركيا وأيضاً مع روسيا وأمريكا بعدما أدركت القمة أن يظل أمد هذه الأزمات، وطالبت بالتجديد والتغيير، والعرب قادرون على حل أزماتهم الداخلية دون تدخل خارجي، لذلك السعودية لم تستجيب لأمريكا التي ترى أن تأهيل سوريا لم يحن وقت إعادة التأهيل، ولم تعد تقبل السعودية بتجميد الصراعات في المنطقة.
تتميز قمة جدة في شكل ومضمون وكثافة سرعة العمل العربي المشترك، بما يحقق أمال الشعوب للبدء بعهد جديد يرتكز على مقومات التنسيق المشترك للتعامل مع تحديات الأمن والاستقرار، إضافة إلى العمل العربي الجماعي، وبما يضمن فرص التكامل العربي ويعزِّز القدرة على كسب رهانات الأمن الغذائي ومكافحة الإرهاب والتنمية الشاملة والمستدامة المستندة إلى ما يزخر به العالم العربي من إمكانات مادية وبشرية.
تقود السعودية مشروع ولادة عالم عربي جديد يود التوصل إلى اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ، أي أن السعودية تستنسخ تجربتها في الداخل السعودي ونقلها للجامعة العربية لتفعيل دورها تلقائياً بدلاً من الدعوات التي تدعو إلى إصلاح الجامعة العربية من الداخل باعتبار أن ميثاق الجامعة العربية وضع عام 1945 .
تتناسب المخرجات مع ثقل السعودية في العمل الدبلوماسي وهو بمثابة انتصار اقتصادي وسياسي عندما نجحت في مواجهة جميع الابتزازات السياسية وجميع الضغوط، وبذلك اكتسبت المكانة التي حظيت بها إقليمياً ودولياً باعتبارها شريكاً إستراتيجياً مهماً لكل الدول وهي عنصر أساسي في أية معادلة إقليمية أو دولية تهدف على استتباب الأمن وإرساء دعائم الاستقرار.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً