محمد سليمان العنقري
التحولات الدولية المتسارعة في القرن الحالي فرضت نفسها بنظام دولي جديد وتغيرات ببوصلة المصالح على أساس اقتصادي فلم تعد الهيمنة الغربية هي السائدة دولياً وقد بشر بنهايتها توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق وفي ظل هذه المتغيرات دخل الشرق الأوسط حالة من الفوضى وتحديداً بعض الدول العربية مما أضعف التنمية فيه ووجه الجهود لإعادة الاستقرار والسلم له فكان لابد من قيام الدول العربية بمبادرة تأخذ فيها زمام أمورها وتتخذ ما يخدم مصلحتها من توجهات وإيجاد حلول لكل ملفات المنطقة برؤية عربية خالصة ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بخطوة أولى لابد منها وهي أن تجتمع كل الدول العربية تحت سقف واحد لتضع أسساً واضحة لكيفية معالجة أزمات المنطقة دون تدخل خارجي وبما يحقق المصلحة القومية للعرب وينتقل معه الواقع العربي من ساحة صراعات إلى ساحة للتنمية والبناء.
ومن هذا المنطلق كانت رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في معالجة الملفات السياسية بالمنطقة تتميز بنهج صريح وواقعي وتوظيف لكل الإمكانيات المتاحة لتحقيق أهداف تنقل المنطقة للاستقرار والسلم والتنمية فهو قائد رؤية 2030 اهم وأكبر وأول مشروع تنموي عربي واقعي وعملي وله أهداف واضحة شهدت المملكة انعكاس آثارها بفترة قياسية جعلتها أول دولة بالشرق الأوسط يتجاوز ناتجها الإجمالي تريليون دولار بما يمثل 30 بالمائة من الناتج الإجمالي العربي، فالسعودية بثقلها ومكانتها وإمكانياتها وما حققته من نجاحات تنموية جبارة وعلاقات دولية عميقة منذ إطلاق رؤية 2030 تقدم أكبر وأهم فرصة للعالم العربي بعد سنوات عصيبة مرت عليه من خلال التحضير الناجح للقمة العربية 32 في جدة ليكون له كلمة ومشروع تنموي وبناء للمستقبل قائم على الاستقرار والتنمية الاقتصادية والتعاون والتكامل الواقعي لأول مرة والبناء على أساس المصلحة العربية أولاً، فكما قال سمو ولي العهد في كلمته بافتتاح أعمال القمة يوم الجمعة «نؤكد لدول الجوار، وللأصدقاء في الغرب والشرق، أننا ماضون للسلام والخير والتعاون والبناء، بما يحقق مصالح شعوبنا، ويصون حقوق أمتنا، وأننا لن نسمح بأن تتحول منطقتنا إلى ميادين للصراعات، ويكفينا مع طي صفحة الماضي تذكر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة، وعانت منها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية»، فعند المقارنة العربية مع العالم نجد أن عدد سكان العالم العربي حوالي 350 مليوناً والناتج الإجمالي العربي يصل إلى 3،4 تريليون دولار وهو أقل من ناتج اليابان أو ألمانيا رغم فارق المساحة وعدد السكان وحجم الثروات الهائل الذي يملكه الوطن العربي فحجم الثروة النفطية عربياً يصل إلى 41 بالمائة من حجم الاحتياطي العالمي بخلاف ثروات هائلة بالغاز والمعادن والقدرة على تحقيق الأمن الغذائي وكذلك النهوض بالصناعات والتأثير الواسع اقتصادياً بالعالم حيث تعد السوق العربية الاستهلاكية من أضخم الأسواق عالمياً مما يمثل فرص تصنيع وزيادة بالخدمات وكذلك بالعلاقات التحارية البينية والدولية ضخمة جداً.
فهذا الواقع المؤلم فرض التعامل مع أزمات الأمة العربية بفكر جديد وتقديم كل ما يخدم مصالحها والاستفادة من الواقع العالمي الجديد الذي يفرض نفسه بنظام دولي متعدد الأقطاب فهناك قوى كبرى كالصين ودول بريكس لها مصالح بدعم استقرار الشرق الأوسط واستعادة السلم للدول التي ضربتها الفوضى لسنوات وهو ما يمثل فرصة لكسب تعاون دولي مهم يخدم المنطقة ويضعف تأثير قوى أجنبية تقتات على حالة الفوضى القائمة حالياً وهو ما يعزز من دعم نجاح التحرك العربي لتغيير واقع المنطقة نحو مستقبل أفضل تضع فيه الدول العربية مكاناً لها في العالم مبنياً على حماية اقتصادها ومصالح شعوبها فكما أن للسعودية وكل دولة عربية تملك مشروعاً تنموياً لديهم مصلحة باستعادة السلم والاستقرار للدول العربية التي تعرضت لدمار واسع حتى تنتقل المنطقة للتنمية فإن استجابة كافة الدول الساعية لاستعادة استقرارها والانتقال لبناء ما تم تدميره بسنوات الفوضى لها أهمية بالغة بإنجاح المشروع العربي التنموي وأول الخطوات أن يكون القرار عربياً خالصاً نابعاً من مصلحة عربية بالمقام الأول وهذا ما تقدمه السعودية اليوم كفرصة تاريخية بعد أن نجحت بتنفيذ خططها التنموية وتعزيز علاقاتها عالمياً من خلال إعادة تعريف المصالح والتعاون مع كل دولة كبرى بكل ما يحقق المصلحة للمملكة أولاً وللمنطقة عموماً فقد قدمت نموذجاً واقعياً لكيفية العمل على استثمار الإمكانيات وتنفيذ مشاريعها التنموية حتى أصبحت أكبر دولة تجذب استثمارات بالمنطقة, وللمملكة دور دولي مهم بدعم نمو الاقتصاد العالمي فاستقرار المنطقة العربية والتخلص من كل تداعيات السنوات الفوضوية سيحيل المنطقة العربية لأكبر عملية تنموية بالعالم وستكون الأكثر استقطاباً للاستثمارات وهذا ما سينعكس على الشعوب العربية إيجاباً فلا شيء مستحيل مع العزم والإرادة الصادقة والتاريخ الحديثُ مليء بالشواهد فأوروبا خرجت من كوارث ضخمة بعد الحرب العالمية الثانية لكنها دخلت بعد ذلك بأضخم مشروع تنموي وحققت ماهي عليه الآن من تأثير اقتصادي وسياسي دولي واسع.
قال سمو ولي العهد في قمة جدة «إن وطننا العربي يملك من المقومات الحضارية والثقافية، والموارد البشرية والطبيعية، ما يؤهله لتبوء مكانة متقدمة وقيادية، وتحقيق نهضة شاملة لدولنا وشعوبنا في جميع المجالات» فالعالم العربي كان يحتاج لرؤية واضحة ووقفة صادقة ومشاريع قابلة للتنفيذ والتخلص من الأيديولوجيات والأفكار الهدامة واستثمار رأس المال البشري العربي بالتنمية وتحويلهم للاهتمام بدولهم بدلاً من تشتت طاقاتهم بما لايفيد ولا ينفع فالوطنية ليست شعارات بل أفعال.