رضا إبراهيم
تكملةً للمقال السابق، وحول أهمية الصورة الفوتوغرافية إعلامياً، نؤكد على أنه من الصعب جداً تخيل صحيفة أو مجلة أو لوحة إعلانية، أو مقطعاً إخبارياً أو حتى مقالاً عبر الإنترنت، لا يحتوي على صور فوتوغرافية، لأن الصور لا تساعد على تحسين القصة فقط، بل تحكي أيضاً قصة خاصة ومعينة عند دمجها بعناية في الأخبار، والصور تضيف سياقاً وإمكانية فهم، ففي عالم الإعلام الرحب، يمكن للصور صنع قصة ما، أو تكون سبباً في هدمها. ما يعني أن التصوير الفوتوغرافي الصحفي حرفة حيوية بحد ذاته، وهو عملية استخدام الصورة لرواية قصة ما أو موضوع، وبينما يشارك الصحفي التقليدي معلوماته باستخدام القلم والورق، أو لوحة مفاتيح الحاسوب، يستخدم المصور الصحفي الكاميرا كوسيط له، نظراً لأن المصور الصحفي يستخدم الصور لإخبار القصة بأكملها من أولها لآخرها، وحالة تنفيذها بشكل صحيح، قد لا يحتاج القارئ حتى إلى كلمات لفهم الرسالة المقدمة بشكل كامل، وتم استخدام الصور لمرافقة المقالات الإخبارية منذ بداية الحرب الأهلية الأمريكية، على الرغم من أنه كان ينظر إليها بعد ذلك على أنها تحسينات، أكثر من كونها محوراً رئيسياً للمقال نفسه.
وفي بداية عشرينيات القرن الماضي، دخل التصوير الصحفي عصره الذهبي، من خلال ظهور كاميرات أصغر مثل (لايكا) مقاس (35) مم اخترعت في ألمانيا عام 1925م، واعتبر المصورون شرقاً وغرباً أن هذه الكاميرات ثورية، حيث كانت هناك حاجة إلى معدات أقل حجماً بكثير لتثبيتها كي تمكنهم من التقاط صورهم، ولم يقتصر الأمر على اختراعات مثل الكاميرا لايكا، لكن ظهرت أنواع أخرى من الكاميرات الحديثة مثل (كوداك) والتي قد أتاحت الوصول للتصوير بكل أنحاء العالم.
كما حدث اختراق آخر ذي صلة في ذلك الوقت بتعميم صحافة المجلات، والتي برزت في قارة أوروبا، واعتبرت وقتها وسيلة مهمة جداً من وسائل تأكيد المواضيع والقصص بالصور الفوتوغرافية، ولأنها كانت تعتبر أكثر إبداعاً وجاذبية بصرية من الصحف، أصبح القراء أكثر لهفة لشراء المجلات لقراءتها.
وحول الغرض الأساسي من التصوير الصحفي، فيتمثّل دور المصور الصحفي بربط موضوعه عبر التصوير الفوتوغرافي، ليس لالتقاط الصور فقط، بل رفع الصور لأعلى المعايير الصحفية كمحاولة لنقل الحقائق كما ينبغي، فكل صورة من صور المصور الصحفي في احتياج إلى الاختبار، تماماً كما يجب على كل صحفي تقليدي عرض قصص متعددة قبل قبول إحداها، لذا يحاول المصورون الصحفيون عامةً وبطريقة مبسطة، تعريض القارئ العادي لقصص جديدة ومختلفة بطريقة لافتة للنظر، يسهل فمها واستيعابها، فالتصوير الصحفي شكل من أشكال سرد القصص المرئية وإعداد التقارير، فلا توجد طريقة واحدة صحيحة لرواية قصة من خلال الصور، لكن عرض حفنة من الصور، يمكنها إكمال النص وتوضيحه.
بينما صورة درامية واحدة، يمكنها أيضاً تقديم تعليق منفرد على شخص أو حدث عالمي أو ثقافي، دون النظر عن كيفية سرد القصة، لذلك يسعى المصورون الصحفيون لتنوير الجماهير، بالتقاط صور متبلورة ذات قيمة وهدف محددين، وهناك اختلاف بين الصحافة المصورة عن أنواع التصوير الأخرى، فيمكن لأي شخص التقاط صورة، ولكن لا يمكن لأي شخص أن يكون مصوراً صحفياً، لوجود ركيزتان عمليتان للتصوير الصحفي، أولها المعايير الأخلاقية العالية، وآخرها السعي وراء الحقيقة الموضوعية، بينما التصوير الفوتوغرافي بأشكاله المختلفة، قد يكون وسيلة للتعبير عن الذات، أو يعرض ببراعة حقائق حول الحالة البشرية، لكن الهدف من التصوير الصحفي هو الإبلاغ، والسعي لاستخدام الفوتوغرافيا، لإيصال قصة وتثقيف جمهور القراء.
وحول الجانب الأخلاقي بالتصوير الصحفي، ولأن التصوير الصحفي شكل من أشكال التقارير، فإن الأخلاق هنا تبدو مركزية، وهناك حاجة واعية لتوفير معلومات دقيقة من الناحية الواقعية، لذلك يجب على المصورين الصحفيين السعي لنقل الحقيقة الموضوعية، دون تغييرها بطريقة قد تغير المعنى الكامن وراء الصورة، فالصحافة المصورة تسعى لنقل الحقيقة، هدفها تصوير الواقع الموضوعي، ويجب على المصورين الصحفيين الالتزام بمبادئ توجيهية، تماثل التي توجه عمل نظرائهم، ممن يكتبون المقالات، فالصور الفوتوغرافية ليست مجرد صور، بل هي عدسة لموقف أو حدث معين، وبناءً على ذلك يجب أن تتمحور ليس فقط حول إنشاء صورة جميلة، لكن أيضاً لإلقاء الضوء على الظروف المحيطة بالصورة.
فيمكن أن تضيف الصورة بُعداً أو فكرة أخرى لقصة إخبارية، وعندما تتم إضافة صورة لمقال، فذلك يجعل من الممكن للمشاهدين تصور أو فهم الأحداث المطروحة بشكل أفضل، ما يجعل القصة تبدو أكثر واقعية، كما تمتاز الصحافة المصورة بعمل هذا النوع من التصوير الصحفي، بالتزامن مع قصة رئيسية، أو سلسلة صور لتقديم تغطية عميقة، ويجلب التصوير الصحفي المميز سياقاً للقصة الرئيسية، ويقدم تفاصيل داعمة حول أشخاص أو أماكن معنية، أو وجهات نظر إضافية، حول الأحداث والقضايا، التي تم استكشافها بالمقال الرئيسي.
والتصوير الصحفي لا يوثق الحدث الآني فقط، لكنه يتعلق بالمستقبل، لتمتع الصور بالقدرة على توعية الأجيال القادمة بأحداث الماضي، فبعد فترة طويلة من نسيان نصوص الأخبار، يمكن القول بأمان أن التصوير الصحفي لديه القدرة على تغيير العالم، وتوفير سياق إضافي للقصص التي يتم الإبلاغ عنها، ويمكن للصور أن تجعل القصة أكثر واقعية، وتوفر مزيداً من العمق للمقال، وأن تكون أيضاً قطعاً قائمة بذاتها، تعطي مزيداً من الأفكار حول الأحداث أو اللحظات الإخبارية الأخرى، والفرق بين الاستخدام التحريري والاستخدام التجاري للصور، هو أن التصوير التحريري يمكن استخدامه بالمجلات، ولكن لا يقتصر على هذه المجموعة من الأخلاق، بينما يستخدم التصوير التجاري للترويج لعلامة تجارية أو عمل تجاري.
وحول أهمية التصوير الصحف في السياق الإعلامي وإظهار محتواه، تؤكد كاثي رايان مديرة التصوير بمجلة (نيويورك تايمز) على أن الصور تعد هي اللغة العالمية لعصرنا، وكل شخص لديه المئات وربما الآلاف في جيوبهم عديمي الوزن، يقلبون الميزان عندما تكون الحجة، ماذا حدث هنا؟! والصور لا تتقدم في العمر أو تشوه أوتار المصور العظيم، وهي لا تنفد أبداً، ولهذا السبب نحتاج إلى دوماً لمصورين.
وزادت رايان بقولها (إن المصورون هم الأشخاص الذين يفرزون كل فوضى العالم، بصور تضفي الوضوح على الحياة المجانية للجميع، وهم الشهود والفنانين، ممن يستطيعون استخلاص الفوضى والجمال الذي يحيط بنا، ذلك لأنهم هم يلفتون انتباهنا للأشياء التي نفتقدها بحياتنا اليومية، ويوجهون انتباهنا للأحداث والأشخاص، على مسافة كبيرة من رقعة الكون الخاصة بنا، وعندما يوجهون أعيننا وقلوبنا بدقة وصدق، فإننا نعرف ما نعرفه بشكل مختلف تماماً وأفضل، يعلمنا المصورون أن ننظر مرة أخرى وننظر بجدية أكبر، ننظر من خلال عيونهم).
ومن جانبها تؤكد سارة لين مديرة التصوير بـ (ناشيونال جيوغرافيك) على أنه قد أمضت حياتها المهنية بأكملها، في عملية إنشاء أو تحرير أو نقد أو تدريس التصوير الفوتوغرافي والعمل مع المصورين، لأنها كانت الطريقة التي عشت بها الكثير من العالم، وبطريقة شخصية عميقة شعُرت أن الصورة هي قصيدة عن الوقت عن «البقاء في اللحظة»، فالتصوير يمكن أن يهزم الوقت، ويمكن للصور أن تحافظ على ذكرى أحد الأحباء حية، وأن تحتفظ بلحظة في التاريخ للأجيال القادمة، وأن تكون شاهداً على مأساة ما أو سعادة ما، والصور يمكنها أيضاً تغيير السلوك وتحفيز الفهم، وخلق شعور بالإلحاح الذي يدفع الناس إلى العمل، وزادت لين بقولها (إن التصوير الفوتوغرافي، هو اللغة العالمية التي تخاطب القلوب).
كما تقول ماري آن جولون مديرة التصوير بجريدة «واشنطن بوست» (لماذا التصوير مهم فالتصوير يتحدث، عندما اكتشفت وفهمت فيما بعد لغة التصوير الفوتوغرافي المرئية، رأيت أن هذه اللغة يمكن أن تعلم وتعلم وتحرك الجماهير في جميع أنحاء العالم، دون الحاجة إلى لغة منطوقة مشتركة، فالصورة هي قصة مصورة ناجحة، عندما يتم تأليفها وتحريرها بشكل جيد تصبح مفهومة عالمياً) وألمحت جولون إلى أنها قدمت ذات مرة قصة مصورة بالصين في صمت لمجموعة تصوير احترافية، حيث ابتسم الجمهور وضحك وسكت في جميع الأماكن الصحيحة، دون أن ينبس ببنت شفة باللغة الصينية أو الإنجليزية، وبعد الإطار الأخير ابتسمنا جميعاً وكان الأمر مثير جداً.
وأكدت جولون على مدى ثقتها بالضوء، وغالباً ما يضيء هذا الضوء في أحلك الأماكن من قبل أشهر المصورين الصحفيين في العالم وأكثرهم موهبة، لقد تشرفت كثيراً بدعم ونشر أعمال العديد منهم، وأنا أعتزم الاستمرار في الرعاية والتشجيع والدعم والتملق والمساعدة والمشورة والتقدير والاحتفال، والدفع مقابل التصوير الصحفي الاحترافي، طالما أنني قادرة على ذلك، نظراً لثقتي الكبيرة في التصوير الفوتوغرافي.