اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
إذا كان المال السائب يُعلم السرقة فإن أصحاب الفكر المستورد وأرباب التاريخ الأسود، من المحسوبين على الشعب السوداني والأمة العربية دأبوا على إيجاد الذرائع للطامعين في ثروات المنطقة من القوى الكبرى التي تتربص بالسودان وغيره من دول المنطقة، إذ إن هذه القوى تتحين الفرص للانقضاض على خيرات المنطقة وثرواتها عبر مشاريعها الاستعمارية لإعادة تقسيم المنطقة وتحويل دولها إلى دويلات فاشلة توطئة لإضعافها والاستيلاء على ثرواتها واستعمارها من جديد.
والانقلابات العسكرية وبعض القيادات ذات الانحرافات المذهبية والفكرية ومن يقف خلفها من القوى الاستعمارية، كل هؤلاء هم الذين أدخلوا السودان في متاهات الضياع وجلبوا له الفتن والصراع منذ استقلاله حتى هذا الزمن الذي تجاوز فيه الأشرار الحدود وكسروا القيود حيث احتدم القتال بين قوتين مسلحتين، وأخذ الصراع بعداً ينذر استمراره بالتحول إلى حرب أهلية مدمرة تؤدي إلى انهيار الدولة وتقسيم البلد إلى كيانات متناحرة تتقاتل فيما بينها في حرب عبثية تفتقر إلى المسؤولية الأخلاقية والمبررات المنطقية.
والحرب المنكرة والمؤامرات القذرة في السودان إذا استفحل أمرها وازداد خطرها فلن تقتصر آثارها على السودان فحسب، بل سيمتد خطرها ويتطاير شررها إلى دول المنطقة، ويصبح البحر الأحمر بؤرة من بؤر الصراع ومسرحاً للعصابات البحرية وقطاع الطرق، مما يجعل أمنه عرضة للتهديد والأخطار تنهال عليه من كل حدب وصوب، وقد قال الشاعر:
وشرهم في البلاد يسيل سيلاً
وخيرهم رمية من غير رامِ
وللسودان حدود تربطها مع عدد من الدول الأفريقية حيث يجمع بين السودان والدول المجاورة له قواسم مشتركة قابلة للتأثير والتأثر، وهذه الدول المجاورة تواجه الكثير من التحديات والتهديدات الأمنية والمشكلات السياسية والاقتصادية والبيئية، بالشكل الذي يجعل الصراع في السودان يتخذ أبعاداً مدمرة تقود إلى حروب أهلية وآفات اجتماعية في دول الجوار تنتقل عدواها من دولة إلى أخرى كما تنتقل النار في الهشيم.
وصراع هذا حاله يتحتم استشراف مآله، والتحسب لما قد ينتج عنه من نتائج ويترتب عليه من تبعات بهدف المبادرة إلى التعامل معه والسيطرة عليه قبل فوات الأوان وضياع العنوان بعد انتقال أضراره من مكان إلى مكان.
وهذه الحرب العبثية التي أدخلت الشعب السوداني في نفق مظلم، وزجت به نحو مستقبل مجهول، ونقلته من الحياة الآمنة والمستقرة إلى حياة الخوف والقتل والتشريد، يجب أن تتوقف وأن يراجع الشعب حساباته ويختار قياداته بعيداً عن التشرذم الداخلي والتدخل الخارجي.
والسودان أصيل بانتماءاته الدينية والوطنية والقومية، وقوي بشعبه، وغني بثرواته النفطية والمعدنية والزراعية والحيوانية ومصادره المائية.
واستقرار هذا البلد وازدهاره واستمراره يتطلب قيادة مدنية عادلة ووحدة وطنية شاملة واعتراف بحقوق المواطنة الكاملة وقوة أمنية وعسكرية جامعة تؤمن بشرف المهنة وخدمة الوطن والمواطن والخضوع للواجب مع التخلص من التنظيمات الحزبية والميليشاوية المشبوهة والتجمعات الجهوية المكروهة، ونبذ العنصرية المبغوضة والطائفية المرفوضة.
والمرحلة الراهنة التي يمر بها السودان تعد مرحلة حرجة ومصيرية بالنسبة للدولة والشعب حيث إن الأمة السودانية باتت على حافة الهاوية وقاب قوسين أو أدنى من التشتت والضياع، الأمر الذي يستدعي من أحرار السودان تقدير الموقف على مختلف الأصعدة وعمل كل ما من شأنه الوصول إلى حل ينهي الحرب، كما يتطلب الموقف من العسكريين احترام شرف المهنة والوطن والواجب واستماعهم لنداء الحق والانصياع لصوت العقل، وبالتالي القضاء على الفتنة وتقديم المصلحة العامة على المصالح الفئوية والطائفية الضيقة، وتفويت الفرصة على المتربصين والمتآمرين، وقد قيل: معاقبة الشر بالشر إضافة شرٍ إلى شر.
ومن المؤسف والمحزن أن السودان ليس هو الدولة العربية الأولى التي تنهار قيادتها وتفقد سيادتها، فقد سبقتها كل من ليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان، ومشاريع إعادة تقسيم المنطقة العربية وتدمير دولها معلنة والقوى التي تبنتها ونفذتها يجمع بينها أهداف سياسية ومطامع جيو-استراتيجية مهما اختلفت مذاهبها وتنوعت مشاربها، وجامعة الدول العربية يتسم رد فعلها في كل موقف بالجعجعة والمواقف المصطنعة دون أن تحرك ساكناً لعدم وجود الإرادة وضعف الإمكانية.
والمملكة ومصرهما الدولتان اللتان يعوَّل عليهما لتقديم ما يمكن تقديمه لحل الأزمة في السودان، وذلك لما يربطهما من علاقة متميزة مع الشعب السوداني وموقفهما المتوازن من طرفي الصراع علاوة على ما يقع على الدولتين من تأثير مباشر من جراء الأزمة بسبب روابط الانتماء الديني والقومي وخصوصية العلاقة والتجاور البحري والبري، بالإضافة إلى أن الدولتين ينطبق عليهما ما ينطبق على السودان من حيث الاستهداف من قبل قوى الشر المتربصة.
والدول الأفريقية المجاورة للسودان يتعين عليها اتخاذ كل وسيلة ممكنة، وبذل كل ما تستطيع لمساعدة هذا البلد لكي يتجاوز أزمته ويستعيد أمنه المفقود نظراً لأن التهديد الأمني الذي يتعرض له السودان يهدد أمن الجميع، خاصة أن التهديد الأمني المقصود هو تهديد شامل يفقد بموجبه الضحية نعم الأمن ويسقط في درك الخوف وهاوية المرض والمجاعة.
والمنظمات ذات الاختصاص أثبتت الأيام والمواقف أنها مغلوبة على أمرها، ومتخلفة عن عصرها ولم يتطور فكرها، فلا إنجاز لها يذكر ولا عمل عليه تشكر، وبعضها يدار من جهات خارجية وبعضها الآخر مثل المنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.