خالد بن حمد المالك
يلتئم شمل القادة العرب اليوم في عروس البحر الأحمر مدينة جدة في بلد الضيافة والكرم والقرار الحكيم المملكة العربية السعودية ليعقدوا قمتهم العربية في دورتها العادية الثانية والثلاثين في مرحلة دقيقة الحساسية، مشحونة بالتوترات، وفي ظروف بالغة التحديات، ما يعني أننا أمام قمة غير عادية، وغير مسبوقة، ولها من الأهمية ما لها، كونها تزدحم بالملفات المهمة وسط تحديات يؤمل القادة والشعوب العربية أن تتم معالجتها على نحو تخرج دولنا من الأنفاق المظلمة.
* *
أهمية هذه القمة، وتفرّدها عن غيرها من القمم العربية السابقة أنها تأتي في ظروف تتطلب من القادة العرب التكتل والتنسيق والتعاون فيما بينهم، بعيداً عن الخلافات والصراعات، والمواقف التي لا تخدم مصالح الدول والشعوب العربية، فيما أن الآمال والتطلعات نحو مستقبل مشرق هي ديدن الشعوب العربية، وحديثها صباح مساء، وهي مسؤولية الملوك والأمراء والزعماء العرب، بما سوف يتفقون عليه في قمة جدة.
* *
ففي هذه القمة تبرز مجموعة من القضايا ذات الأهمية القصوى، والكثير من المؤشرات تؤكد على أن معالجتها ستكون مقدوراً عليها، في ظل التصميم والعمل الجاد والإرادة القوية لدى المجتمعين، وكون هذه القمة تُعقد برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وتم التحضير لها بشكل يظهر الاهتمام السعودي بأن تكون قراراتها بمستوى ما تنتظره الشعوب العربية.
* *
الجديد في هذا المؤتمر عودة سوريا إلى مكانها ومكانتها في الجامعة العربية، وحضورها لهذه القمة، وهذا تم بفضل العمل المتواصل الذي قادته المملكة وأقنعت به القادة العرب، ما يشي إلى قرب التفاهم مع النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد على معالجة الأوضاع المتأزمة في سوريا، وبينها وجود قوات أجنبية في المدن السورية، وما يمثِّله ذلك من تحديات مستقبلية لاستقلال ووحدة أراضي سوريا، وأيضاً عودة السوريين إلى بلادهم دون شعور بالخوف أو عدم الأمان كما كان ذلك مع استمرار الحرب الطاحنة.
* *
والجديد أيضاً الوضع في اليمن الذي يمر بمفترق طرق منذ ظهور الحوثيين طرفاً في حرب سببها انقلابهم على الشرعية، ووجود دعم خارجي لتأجيج الصراع الداخلي في اليمن، ومثل ذلك ما يجري في السودان من حرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والخوف من أن تتسبب هذه الحرب في تعريض وحدة السودان للخطر، مع التكهنات بأن دولاً لها مصلحة في تفتيت السودان إلى دول، وربما دفعها هذه التوجه إلى التدخل في هذه الحرب.
* *
وهناك لبنان، وأزمة اختيار رئيس للبلاد، والوضع الاقتصادي المنهار، ووجود قوات عسكرية مدعومة خارجياً موازية للجيش، والفساد المستشري في البلاد، وهيمنة الأحزاب على قرارات الدولة التي تعاني من كل شيء، وليبيا وما أدراك ما ليبيا، وتونس وما تمر به من عدم الاستقرار، بسبب الأحزاب المعارضة لسياسة قيادة الدولة، وما إلى ذلك من أوضاع بالغة الأهمية، وتنتظر من القادة العرب أن يضعوا حلولاً لها.
* *
المملكة، وهي بيت العرب، وحيث تعقد القمة على مقربة من مكة المكرمة، وغير بعيدة عن المدينة المنورة، وبرعاية الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولما للمملكة من مكانة لدى أشقائها، ولملكها وولي عهده من تقدير خاص عند ملوك وأمراء وزعماء العرب، علينا أن نتفاءل كثيراً بنجاح غير مسبوق لهذه القمة، وانتظار الكثير من القرارات المصيرية التي تخدم دولنا وشعوبنا، وتعزِّز القوة العربية أمام التحديات التي تواجهها.
* *
ومن المؤكد أن القضية الفلسطينية ستكون المحور الرئيس في هذه القمة، وأن استمرار إسرائيل في عدوانها ضد الفلسطينيين، مع تجاهل دول العالم لهذه المأساة، وعدم التزام إسرائيل بالقبول بقرارات الشرعية الدولية، وبينها وأهمها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، كلها ستكون موضع اهتمام واتفاق وتأكيد على هذا الحق الذي لا تنازل ولا تراجع عنه، بل إصرار عليه، وتمسك به، وتفعيله دون تفريط لمواجهة الهجمة الإسرائيلية المتواصلة، ضد حقوق الفلسطينيين.