مشعل الحارثي
الأوجاع والآلام محزنة، والتحديات خطيرة وكبيرة، في ظل عالم يموج بالفوضى والقلاقل والزوابع والنوازع والوقائع والقوارع والمعامع والضحايا ومن يدفعون الثمن غالياً هم في الغالب الشعوب والأبرياء الذين لم يرتكبوا ذنباً ولا جريمة وإنما كانوا قرابين لمطامع واهية وأهداف مشؤومة ونتيجة عبثية فكرية.
ووسط هذه المرحلة الدقيقة والامتحان الصعب وحساسية الظروف وتعقيداتها، وأمام كل هذا الواقع المزري والصورة الضبابية وما تعيشه الأمة العربية من مصادمات عقائدية وانقسامات سياسية وتشرذمات وضعف اقتصادي، تأتي القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين المنعقدة بالمملكة العربية السعودية والتي تكتسب أهمية استثنائية خاصة لترسم بارقة أمل جديدة وصفحة عريضة من الطموحات والتوقعات بعد تلك الجهود المخلصة والمبادرات الحكيمة والدور التاريخي الذي قادته الدبلوماسية السعودية بكل جدية ونشاط بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز للخروج من دائرة الكلام إلى دائرة الفعل والخروج من أسر كل تلك الحلول المستوردة والمشاريع المعلبة وخطواتها الموفقة والمسددة في حلحلة العديد من الصراعات بالمنطقة وقيادتها لسلسلة من المقاربات والمفاهمات والتصالحات وإذابة الكثير من دواعي الاحتقان والتي تبشّر بالنجاح ومزيد من انقشاع الغمة عن هذه الأمة والوصول إلى شبه انفراج لكثير من قضايا الأمة العربية المعلقة.
وكلنا أمل وتطلع وبكل ما تحمله هذه القمة من حمل ثقيل وجسيم في أن تخرج بمخرجات أكثر إيجابية وأثراً على الشعوب العربية والتقاء إرادة القادة على مواقف إستراتيجية واضحة ورؤى موحدة تجاه المصيرالمشترك وحل الخلافات العربية عربياً دونما حاجة لأي تدخلات خارجية والوقوع تحت ضغوط التأثيرات العالمية حتى لا تصبح سيادة الدول العربية في مهب الريح، ولملمة الجهود حتى لا تتنازعها الأطماع وتتفرّق بها السبل، وحرصها الكامل على عدم إتاحة الفرصة لاستنزاف مقدراتهم ومكتسباتهم وزيادة معاناتهم وصراعاتهم الدائمة مع أشقائهم من الدول المجاورة، والترفع عن كل الشعارات الرنانة، وتفعيل الحوار العربي الدائم والمستمر والسعي إلى المزيد من التفاهمات والمشاورات البناءة، ومبادرة كل الحكومات العربية إلى تفعيل إصلاحات سياسية حقيقية لشعوبها، والانضواء تحت مظلة منظومة واحدة لأن الاستئثار بالرأي الواحد والتغريد خارج النص وفي ظل التحديات المحدقة من كل جانب ليست من الاستقلالية والحرية والديمقراطية في شيء وإنما هي معول هدم ودمار يقود إلى فوضى عارمة واختلال في التوازن، بل علينا العمل على أن نهيئ من الدفاعات ما يكفي لصد كل الهجمات والعواصف الدهماء، ولكي تكون الإقامة على تراب هذه الأرضي المباركة ممكنة ومستحقة.
فأهلاً ثم أهلاً بقادتنا العرب في مهد العرب وحاضنة السلام المملكة العربية السعودية وهم يفتحون اليوم صفحة جديدة من التلاحم والإخاء والتعاون البناء لصالح أوطانهم وشعوبهم ويخطون بقوة العزم والإرادة الحقيقية فجراً جديداً لأمتنا العربية.
ثم عاطر الشكر والتقدير لدولتنا الكريمة المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة وجهودها التي لا تتوقف والتي تثبت من جديد أنها عنصر استقرار مهم في المنطقة وعامل أمان وواحة وارفة الظلال من التسامح والطمأنينة يستظل بها كل عربي ومسلم، وأنها تحمل دوماً مواقف خلاقة ورسالة مضيئة من بقعة مضيئة للعالم في سعيها الحثيث والدؤوب لسيادة الحق والعدل والسلام والاستقرار على ربوع المنطقة والإنسانية جمعاء وهو ما جعلنا نهتف ونردد مع شاعرنا الدكتور زاهر الالمعي ونقول:
بلادي في مراقي المجد تسمو
وليست عن مسيرتنا تند
سأهتف والطيوف لها ائتلاف
وأفخر فوق منبرها واشدو
رعاها قادة صيد أباة
لهم أسد العرين أب وجد
وصانوا صرحه من كل بغي
فلا عاش العدو المستبد
فأنتم من بنو للشعب مجداً
وشادوا صرح نهضته وجادوا
بدور في المحافل مشرقات
وأسد في المعامع لا تصد
ديار المسلمين لنا ديار
لها من (خادم الحرمين) رفد
أقام العدل بين الناس حكماً
ويحدو ركبه الرأي الأسد
وأهلاً بالضيوف فكل قلب
لنا يهفو بلقياكم ويشدو
سنبقى أخوة في الله مهما
تمادى ظالم أو صال وغد
ومع كل النجاحات المرتقبة والمأمولة لهذه القمة فإننا نتمنى أيضاً أن نطمس من قاموسنا وإلى الأبد تلك المقولة والوصمة التي وصم بها العرب بأنهم أمة الكلام وندع للفعل قولته الصارمة والأخيرة، بارك الله الجهود وحقق كل الآمال، وجمع بين قادتنا العرب دوماً على كل ما يحقق وحدتهم ومصالحهم المشتركة ورفعة أوطانهم وشعوبهم وصلاح دينهم ودنياهم.