وصل إلى مصلى العيد الذي كان عبارة عن مجموعة من الجرن، التي تعد المصلى الرسمي لأهل القرية في الأعياد وصلاة الاستسقاء، والجرن جمع جرين باللهجة القروية الدارجة، لكنها في اللغة تكون على جمع أجران، وهي المكان الذي كانت تداس فيه الزروع من قمح وشعير.
مسح الطفل الصغير المكان ومن فيه بنظرة ثاقبة وفاحصة، وجد المكان شبه ممتلئ، الناس موزعون على (الحنابل) التي تعد لمثل هذه المناسبة، وهناك شنط المصاحف التي تحضر للمكان ليقرأ الناس شيئا من القرآن قبل أن يحين موعد الصلاة والخطبة، وجد الصغير مساحة مناسبة للجلوس وقد كانت بين كبار السن، فالصغير بألوانه المميزة يشعر بفارق الوجاهة الذي أحدثه هندامه، وهذا ما جعله يبتعد عن أقرانه ليشعرهم بأفضليته في هذا اليوم المشهود!.
كان جلوسه بجانب جده لأمه والذي كان نائبا للقرية، حاول أن يلفت نظره للساعة التي كان يرتديها لكن جده كان غارقا في ابتهالاته وتكبيراته.
بدأت الصلاة والتكبيرات تتوالى في الركعتين الأولى والثانية، ثم أتت الخطبة التي استثقلها الصغير لكونه يريد أن يبدأ مراسمه الحضورية في هذا العيد بسرعة كبيرة.
انتهت الخطبة وخرج الصغير من المصلى مسرعا دون أن يلتفت لأقرانه، وتوجه مسرعا إلى المنزل ليرى أمه ويعايدها، وفي الوقت لنفسه ليسألها السؤال الذي لا يستطيع أن يسأله أحد غيرها؛ كيف أنا يا أمي؟!.
وبالفعل وصل إلى البيت وسلم على أمه وقال لها:صليت بجانب جدي، وسلّمت عليه؛ حقيقة هو لم يسلم عليه ولكنه يعرف من أين ترضى أمه، فدّته أمه قائلة: فداك عيني، وأردفت بسؤاله؛ هل سلمت على يده؟،قال الصغير: نعم سلمت، قالت: فداك عيني، وخالك هل قابلته؟، قال: لا.
وهنا استجمع الصغيركل مالديه من ثقة وخيلاء وقال: كيف أنا يا أمي؟ قالت: بسم الله عليك؛ تحيف، لكن زرّ ثوبك!.
خرج الصغير نحو مجموعة من أترابه الذين حضروا ليأخذوه للمعايدة، كان أحدهم يحمل في جيبه كيس نايلون استعدادا ليجمع غلة العيد من الحلوى وما شابه ذلك، الصغير أنف من هذا الفعل، وفي نفس الوقت ما زالت وصايا أمه تدور في ذهنه تذكره بحادثة العام الماضي التي ما زالت تؤرقه عندما أسرف في أكل الحلويات فكان نتيجة ذلك، أن أصيب ب Diarrhea حادة جعلته جارًا أسيرًا لبيت الراحة ليومين كاملين!.
خرج الصغير وأترابه نحو المعايدة متجهين للمنازل بدءًا بالأدنى ثم الذي يليه، دخلوا أحد المنازل وكانت راعية البيت في استقبالهم ومعها بعض النسوة يعايدنها، دخل الجميع مسلمين ومهنئين، الجميع يقولون: عاد عيدكم، وراعية البيت وجارتها يرددن المعايدة بأحسن منها قائلين: علينا وعليكم يعود، الصغير يبحث عن التميز دائما، فكان قد قرر أن يغير هذه التحية، وبالفعل بادرهم قائلا: كل عام وأنتم بخير، ضحك أترابه مستغربين من هذه التحية الغريبة، والصغيركان يعيش أجمل لحظات سروره لكونهم يجهلون هذا النوع من الخطاب في العيد، ثم أردف قائلا مخاطبا أحدهم: اسأل والدك عن هذه التحية وهذه الطريقة، قال آخر، هذا يقولونه في التلفزيون، لكننا في القرية نقول: عاد عيدكم!، لم يعرهم الصغير اهتمامه، لكنه شعر أنه قد سجل أمام راعية البيت وجاراتها وبناتهم الصغار (أسكورًا) مميزًا جعله يشعر أنه المتفرد الفاهم الوحيد بين أقرانه الصغار!.
خرجوا جميعا من البيت الأول واتجهوا للذي يليه، كان الصغير قد قرر أن يقوم بحركة جديدة، معتمدا هذه المرة على ساعته الكاسيو ذات الجلد الأسود، والتي ما زالت تثير حنق وحسد بعض أقرانه، قرر الصغير أن يقوم بتوقيتها لتصدر ذلك الأزيز الجميل، وهو عبارة عن جرس أو منبه للتذكير، وقت العملية لتكون بعد خمس دقائق، وبالفعل دخلوا البيت وكان يتواجد فيه بعض رجالات القرية، سلم الصغار وبنفس تحيتهم المعهود: عاد عيدكم، والصغير يمارس عزفه المنفرد والمتفرد قائلا: كل عام وأنتم بخير، تم تقديم الحلوى لهم، أخرج صاحب الكيس كيسه، وأخذ بضع حبات، الآخرون ؛منهم من أخذ واحدة وبعضهم أخذ اثنتين، أما الصغير فقد قرر ألا يأخذ، استغرب صاحب البيت، فقال الصغير وهو متلبس كل أركان الحكمة وأساليبها التعبيرية: الحلوى تضر الأسنان، وهنا شعر أترابه بشيء من الإحراج صاحبه بعض الحنق الطفولي لكونهم رأوا في تصرفه تمردًا على عاداتهم التي عرفوها وعرفوا بها.
** **
- علي المطوع
@alaseery2