في العهد القديم...«وفي البدء كانت الكلمة»...
وفي القرآن كانت «اقرأ»... فالقراءة أساس الحياة، والكلمة أساس الخلق.
يتكون الكتاب من أربعة فصول، «مداخل قرائية، الجذور اليونانية والرومانية، في النهضة ومكوناتها الروائية، وأخيراً رواية التنوير... صراع العقل والعاطفة»، ولكل فصل ما بين ثلاثة إلى أربعة مباحث.
ينقل عن باختين: «الرواية هي النوع الأدبي الوحيد الذي لا يزال في طور التكوين، والنوع الوحيد الذي لم يكتمل نموه»، كما عرّفها الخطيب السكندري آيليوس ثيون، ابن القرن الميلادي الثاني بكونها «كلام كاذب يصوّر الحقيقة»، وربما كان هذا أفضل تعريف قديم بل ربما حتى الآن.
يرى المؤلف أن الرواية يونانية المنشأ، ويعد أن أولى الروايات الإغريقية هي رواية «الإسكندر» وهي رواية تخيلية لكالسيثنيس عن إسكندر مصري سليل الفراعنة استولى على العالم باسم مصر، وليس الإسكندر المقدوني المعروف، وأن أول رواية لاتينية هي رواية «الحمار الذهبي» لمؤلفها لوكيوس ابولوس في القرن الثاني الميلادي. ويتفق مع الغالبية التي ترى أن رواية «دون كيخوته» لثيربانتس هي أول نص روائي ينطبق عليه مواصفات الرواية الحديثة.
يشير إلى أن رواية عصر الباروك، والتي تميزت حسب باختين بأنها رواية المغامرات البطولية، والرواية العاطفية، أما الرواية القوطية فقد مزجت بين عالم القرون الوسطى والرعب، وتذكرني بكآبة «إدجار الان بو» والمعبّرة عن القلاغ والأديرة، وممرات تحت الأرض، وشرفات مظلمة، وحوائط مزيفة، وأبواب سرية.
ثم ينتقل إلى فصل رائع وهو رواية التنوير وصراع العقل والعاطفة والذي يبدأ بسؤال أروع، وهو كيف لمرحلة شكّل العقل محورها أن يكون للعاطفة مثل هذا الحضور الطاغي؟ السؤال بحد ذاته حكاية ويُؤلف منه كتاباً كاملاً، وهي فعلاً مفارقة عجيبة وغريبة، ففي عصر العقل الفلسفي ازدهرت العاطفة الروائية، فهل يعني ذلك أن أوروبا في رحلتها التاريخية التي لا تُنسى وصلت قمة الروح الإنسانية عندما أعطت ما للعقل للعقل، وما للعاطفة للعاطفة؟ العلم والفلسفة تعالجان مشكلاتهما بالعقل، والحب والعلاقات والغرام تعالج مشكلاتها بالعاطفة.
فكرة التراكم الأدبي، وهي تأثر كاتب بنص لكاتب آخر ينتج عنه تحفة فنية أدبية، فهناك عبارات توحي لكاتب بفكرة وتطلق شرارة لفكرة أخرى تأخذ شكلاً آخر عند مؤلف آخر يلتقطها ويطورها ويقدّمها بشكل آخر، مثل فقرة لليبنتز والتي كانت أساس فكرة رواية فولتير الساخرة «كانديدا»، كون عالمنا أفضل العوالم إلى عالم حديث فيه حرب السنوات السبع، وزلزال لشبونة، الحروف ستبقى، والكلمات ستخلد أبد الدهر.
يُلاحظ أن الرواية لم تشكل هاجساً كبيراً عن الحضارة العربية، إلا أنها أثرت كحضارة عليا مهيمنة في فترة ما، فهذا بدرو الفونسو ذو الأصل اليهودي يقوم بتأليف كتابه «تعليم رجال الدين» باللغة العربية أولاً، ثم يترجمه بنفسه إلى اللاتينية، وهو في هذا الكتاب يورد (33) أقصوصة، أقر أنه أخذ من فلاسفة العرب وحكمهم، واستعمل فيه الخرافات والأشعار والأمثال من حكايات الحيوان والطير، وكذلك شيوع قصص الفروسية عند المورسكيين يؤكد تأثيرها في ولادة روايات الفروسية في القرون الوسطى.
أخيراً...
الكتاب يفتح نافذة جميلة حول تاريخ الرواية...
ما بعد أخيراً...
توقف عقلي هذه اللحظة.. فحتى ما بعد اخيراً... لم تظهر للعلن.
** **
- خالد الذييب