يرى صاحب كتاب أصل الأشياء يوليوس ليبس»بأن كل مرحلة من مراحل الثقافة البشرية كونت مفهومها الخاص بالجمال، يسعى الرجال والنساء بالالتزام به» بمعنى أن الحالة الجمالية إذا اختزلناها في المنظر الخارجي للهيئة البشرية فإن وصفنا للجمال يعد شأناً متغيراً ولا يتوافق مع ما كانوا أسلافنا يرونه أو يظنونه، وهنا يأسف فلوجل في كتابه سيكولوجيا الملابس على ذلك الاختزال المفاجئ للزخرف الأزيائي الرجالي الذي وصفه بالتنازل الذكوري العظيم، وذلك بعد أن سيطرت الطبقة الأرستقراطية في أوروبا في القرون الوسطى على الفروق الواضحة في المكانة والثروة عن طريق أحد أشكالها وهي الأزياء، فلو ركزنا على إحدى الصور المعروفة لأحد رجالات تلك القرون المشهورة وهو لويس الرابع عشر سنجده يتزين بملابس تعرف في عصرنا هذا بأنها ملابس أنثوية ، فهو يلبس الفستان الأبيض الكبير الذي نراه في الأعراس وينتعل الكعب العالي ويصفف شعره كما يفعلنه، ومما لا يعرفه الكثير بأن هذه الهيئة كانت حلماً لأي رجل في تلك العصور ولبس الرجل بهذا الشكل من الملابس لا يعني سوى المكانة والثروة والجاه، ودعمت الأرستقراطية في فرنسا تحديداً هذا التوجه لإعطاء سمة تفريقية واضحة بين العامة والطبقة المخملية.
وهنا يرى فلوجل بأن الرجال تنازلوا عن حقهم في كل أشكال الزينة الأزهى والأكثر بهجة وتنوعاً، تاركين ذلك كله لاستخدام النساء، حيث جعلوا من تفاصيل أزيائهم أكثر الفنون صرامة وتقشفاً، وعند تتعب السياق التاريخي لهذا الانقلاب الأزيائي كما يدعي فلوجل نجده أخذ شكله الجديد بعد الثورة الفرنسية ودستورها القائم على الحرية والمساواة والإخاء، حيث رفض الثوار الفرنسيون أي استئثار بالمكانة الوجاهة لفئة معينة من الناس، ولكن هذا ما ساعد الأمر على الانقلاب لصالح النساء بدلاً من أن يكون مشمولاً بين الرجال والنساء على حد سواء.
ومع ظهور الإمبريالية والمستعمرات الأوروبية التي سيطرت على الثقافة العالمية بدأنا نرى تشكل الأزياء يأخذ شكله الجديد، فسمة الرجالية للأزياء تتكون من قطعتين للملابس بألوان واضحة، أما السمة النسائية فمفتوحة الخيارات بلا محدودية أو أطر واضح إلى الدرجة التي تجد فيها الملابس التراثية قد تأثرت كذلك بهذا الشكل عالمي.
بسطت الأزياء العالمية نفوذها في العالم وحاصرت نظيرتها الشعبية إلى الدرجة التي لا ترى فيها أزياء البلدان الأصلية إلا في المحافل والمواقع السياحية فقط، وهذا يعود كذلك لطبيعة الحياة اليومية التي نعيشها ووسائل النقل العامة وسرعة تنقلنا وتواصلنا والتي تحتاج منا قطع ملابس قليلة وغير مكلفة ويسهل استبدالها، بينما لو عدنا لحركة الأزياء التراثية فإنها مكلفة في وقتها على الفرد وصعبة الاستبدال بالأخص من عامة الناس وتتلاءم مع الطبيعة الحرفية أو الزراعية لذلك الوقت، وهنا نستطيع أن نقول إن ثقافة المصنع استطاعت أن توحد الزي العالمي وتفعل ما لم تستطع الثورة الزراعية القيام به في عدد لا يحصى من القرون.
في الخاتمة الأزياء بوصفها دلالة جمالية لن تبقى بشكلها الحالي وسنرى سرعة التغيير في الوصف الجمالي اتجاه الملابس، وكل ما أريده منك أن تبقى عزيزي المتلقي متأهبا غير مستنكر لأن اللغة الجمعية ستحدد الكثير دون وعي منا.
** **
- إبراهيم المكرمي