علي الزهراني (السعلي)
إن ما بين الأشياء التي تسترعي انتباهي هي تلك الكلمات التي تسري في أرواحنا وتسكن آمنة مطمئنة تثور فينا الأشجان وتزرع ما بين نباتات الفؤاد شجرة الحنين لتتساقط علينا حُبّاً وعشقاً وغراماً وبعدها نستكمل الحياة لتنفجر من خلالنا ينابيع الآهة والأنّة ونقول بعدها:
الله الله!
هذه الكلمات تمثّلني وإن صادف أن تساقطت مِنّا قنطرة الدموع بعد أن الانتهاء من حشرجتها في ذواتنا ...
إن هذه الكلمات التي طرقت قلوبنا ثلاثاً وفتحنا لها كل الأبواب ومخرت سفينة (الحزن/ الفرح) وارتفع الشراع وانطلقت الحياة لترسو على شاطئ الروح تغازل عيوننا (مرحاً / ترحاً) في مغازلة الحروف في انتظار الغائب المجهول!
هذه الكلمات كما قالت المبدعة ماجدة الرومي في نص نزار قباني:
يسمعني.. حين يراقصني
كلماتٍ ليست كالكلمات
يأخذني من تحت ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
والمطر الأسود في عيني
يتساقط زخاتٍ.. زخات
وهي فعلاً كلمات ليست كالكلمات، فنحن كمتلقين لا نملك عندها سوى التصفيق بعد أن هزّتنا كجذع نخلة مريم عليه السلام ...
إن هذه الكلمات تقع ما بين عبارتين باختصار:
- مرارة الحرمان
- لوعة اللقاء
وهذا المقياس الروحي في اهتزازات الشعور فينا حين نسمع أو نقرأ كلمات الأدباء، الشعراء، الكتّاب شِعْراً نثراً مقالة، مقامة، خاطرة، والأعجب والأغرب ربما عبارة أو سطراً تدهشنا خاصة عندما تخرج مكنونات فيّاضة من سيل أوجاعنا.. إن ما كتبه أو قاله المبدعون في شتّى هذين المنعطفين في شارع الغرام ومدينة الحُبّ ومملكة الجمال نصرخ متسائلين هذه الذي قرأناه أو سمعناه دهشين: كيف استطاع هذه الشاعر والكاتب ... أن يعبّر عنّا؟ وكأنه كان يعيش معنا فكتب نيابة عنا، كتب كل تفاصيلنا!
ولنأخذ عزيزي القارئ شيئاً عن مرارة الحرمان ولوعة اللقاء عند البعض في عصرنا: يقول علي رباح التميمي:
وإنّي ليُفنيني الحنينُ لوصله
ويبقى صدى الآهات يحفظها الوجدُ
فأشتاق حتّى مزّق الشوقُ غُربتي
بأرضٍ يبابٍ يحتوي نأيه الفقدُ
فيا قلم اكتبها ووثّق فراقنا
فلن نلتقي حتّى يبعثرنا اللحدُ
وفي النثر نقرأ:
ما أجمل لقاء الحبيب بعد طول فراق، وبعد سيل من الأشواق، إنها لحظة ترسم أحداثها في لوحة ربيع العمر، لحظة يزداد فيها نبض القلب، وتتجمّد المشاعر من فرح القلوب، لحظة فيها من الوفاء ما يروي الأحاسيس. وإني أحب النوم في غير موعده لعل لقاء أحبتي في المنام يكون، تحدثني الأحلام أني أراكم فيا ليت أحلام المنام يقين.
سطر وفاصلة
سيدتي كيف تجمعين بين مرارة الفقد ولوعة اللقاء بين أرتال الغياب وحضور الاختصار، كيف جعلتِني مجنّداً في كتيبة الانتظار، كيف تأتين بحرف يرنو حول عنق زجاجتتي، وتختفين عندما تحطّم عند أقدام الفراق.
سيدتي بربك قولي كيف تلتقطين المتناقضين:
حورية اللقاء وسعليّة الاختباء؟!
سيدتي قومي على أمشاط حبنا وغنّي لي:
هاك حبي وأشواقي
هاك نظرتي واشتياقي
للأسف زرعت في أرض الغرام كل أشواقك وأشواكي.