د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
هذا عنوان رسالة دكتوراه أعدها الباحث القدير: أسامة عبدالرزاق عبدالغفور شيراني (من باكستان)، وعنوانها الكامل: قواعد الكتابة العربية في علمي الخط والنقط: من القرن الثالث الهجري حتى العصر الحديث (دراسة وصفية تاريخية).
وقدمت هذه الرسالة إلى: الجامعة الإسلامية كلية اللغة العربية قسم اللغويات، وأشرف عليها العالم القدير: د.عبدالله بن عثمان اليتيمي. وكان لي شرف المشاركة في مناقشتها في يوم الأربعاء 13 من شوال عام 1444هـ.
أشكل عليّ عنوانها؛ إذ يوحي قوله (قواعد الكتابة) بأنه يضع قواعدها، وليس هذا هو الغرض والدليل العنوان الشارح (دراسة وصفية تاريخية) فلعل الأولى جعل العنوان (تاريخ الكتابة العربية)، وأشكل عندي استعمال (الخط) لأنه مشترك لفظي فهو يدل على رسم الأصوات بكتبها، وهو يدل أيضًا على هندسة صورة الحرف المكتوب وهو ما يطلق عليه القلم مثل القلم الكوفي والثلث والنسخي والإجازة والفارسي والديواني ونحوها، وأشكل (النقط) الذي ارتبط في الغالب بنقطي الإعجام والإعراب، والباحث توسع في استعماله. وأشكل استعمال (حتى)؛ فالمشهور أنّ ما بعدها داخل فيما قبلها، والأولى استعمال (إلى)، كما في قوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلى اللّيلِ}، والباحث صرح بذلك في قوله «لأن غايتي الوصف والتأريخ للهجاء القديم لا المعاصر».
جاءت الرسالة في 1131 صفحة، وهذا طول ظاهر؛ ولكن يمكن أن يلتمس للباحث العذر بالطول الزمني لموضوعها، وبكثرة الصور من المخطوطات، ولأنه بسط القول في الأصول التي اعتمد عليها في البحث وهو منهج تحقيقي. وربما أمكن التخفيف من بعض الطول بإيجاز القول عن الأصول واستعمال الجداول والحواشي.
هذه الرسالة من أكثر الرسائل التي قرأتها تميزًا، فهي تتصف أولًا بالإخراج الفني المتميز على الرغم من صعوبة موضوع البحث، وهي رسالة أصيلة، فيها جوانب من الإبداع في العرض والمعالجة، بما تهيأ لها من سلامة المنهج ووضوح خطوات البحث، وبما اتصف به الباحث من قدرة على استقصاء مادة بحثه فجودة استيعاب مفردات هذا البحث، ثم دقة وصف الظواهر وعمق تحليل القضايا، ويسعد ذلك ما عمد إليه الباحث من قراءة ناقدة موضوعية ظهر فيها تقدير العلماء، وتميز هذا العمل بالعناية بالتوثيق من ذكر الأعلام بتاريخ وفياتهم باطراد، وهذا لم أره في عمل آخر في هذا المستوى، ومنه دقة العزو للمصادر والمراجع وأوعية النشر المختلفة، وهي أوعية اتصفت إلى غزارتها بتنوعها. وقد صنفها الباحث في نهاية الرسالة في مجموعات وهي طريقة يتبعها كثير من الباحثين؛ ولكني لا أراها مفيدة كل الفائدة لأن الغرض من الثبت إطلاع الباحث على معلومات نشر المصادر والمراجع، وتقتضي السرعة أن يكون الثبت واحدًا مرتبًا ترتيبًا هجائيًّا فيسلم القارئ من مراجعة اسم المصدر أو المرجع في غير مجموعة.
ومن أبرز ما تميز به هذا العمل أنه يقفنا على أطوار كتب الحروف اعتمادًا على المخطوطات لا على أخبار متناقلة عنها، وهو يعزز ذلك بإلصاق صور تلك الأطوار في السرد فترى الصورة كما كتبت في المخطوط، وهذا اقتضى العودة والاستفادة من عدد هائل من المخطوطات.
من الأمور اللافتة في هذا العمل الجليل ظهور شخصية الباحث بقوة وثبات، واطراد مستوى الأداء من بداية الرسالة حتى نهايتها. وعلى الرغم من طول الرسالة اتسمت لغته بالوضوح والدقة والسلامة اللغوية في الغالب.
تألفت الرسالة بعد المقدمة من تمهيد في ثلاثة مباحث عن (الكتابة العربية وأصولها الخطّية)، ومن الباب الأول (علم الخطّ) وفيه سبعة فصول، وكل فصل ذو مباحث وكل مبحث ذو مطالب، وأما الباب الثاني فهو (علم النقط) وفيه ثلاثة فصول، وكل فصل ذو مباحث ومطالب، وكان من نتائج بحثه: أنه ظهر من مسائل البحث وقضاياه ضرورة العودة إلى الأصول الخطية لفهم الهجاء القديم وتصوره، وأن الكتابة القديمة اعتمدت على التلقين لأنه لابد من حفظ هيئات الكلمات وهو ما اختلف عن الإملاء الحديث المعتمد على مطابقة المخطوط للمنطوق ما أمكن. توهم بعض محققي الكتب حين يصفون كتابة بعض المخطوطات بالخطأ والمخالفة مع أنها مطابقة للقواعد المعروفة في زمانهم، وظهر أن بعض أخطاء المحققين سببها جهلهم بالهجاء القديم، وأن الدعوة إلى مطابقة الخط اللفظ قديمة عند بعض العلماء كالمبرد، وظهر أن المتقدمين قد لا يلتزمون طريقة واحدة، وظهر أن أوسع القرون تعدد مذاهب القرن الرابع.
وعلى الرغم من طول الرسالة وصعوبة موضوعها وتعدد مسالكها ممتعة للقارئ المتخصص، فهي جديرة بالقراءة وأرجو أن تطبع طباعة لائقة بها.