الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
ضمن رسالة «نادي تاريخ المدينة المنورة «لنشر الوعي التاريخي والثقافي أقام جلسة حوارية بعنوان: (واستقرت بها النوى) للأستاذ الدكتور حمزة قبلان المزيني وأدارت الجلسة الأستاذة هدى الغامدي وذلك يوم الأربعاء 27 شوال 1444هـ الموافق 17 مايو 2023م في البدء أُلقي الضوء على سيرة د. حمزة المزيني وهي سيرة حافلة بالإنجازات العنوان الذي أجمع عليه نخبة من الأكاديميين والمثقفين الذي كانت إسهاماته في الترجمة قطعًا أدبية رائعة فاستحق أن يلقب بـ»سفير الأدب» تخرج أ.د. حمزة المزيني في قسم اللغة العربية في كلية الآداب، جامعة الملك سعود، الرياض في 22/4/1391هـ ، ثم عُين معيدًا بجامعة الملك سعود في 11/6/1391هـ، ليحصل على درجة الماجستير من جامعة تكساس في أوستن بالولايات المتحدة الأمريكية في 24/8/1396هـ.
وكما حصل على درجة الدكتوراه من جامعة تكساس في أوستن بالولايات المتحدة الأمريكية في 20/07/ 1401هـ، واستمر في رحلته الأكاديمية حتى تقاعد في 1/7/1423هـ، ثم استمر عطاؤه العلمي بعد تعاقده مع جامعة الملك سعود، حتى استقال من العمل فيها في 1/8/1426هـ، من أبرز الأعمال الإدارية التي شغلها عمله ملحقًا ثقافيًا في سفارة المملكة العربية السعودية في الصين الوطنية 1405-1406 هـ، ثم وكيلاً لكلية الآداب في جامعة الملك سعود، عام 1410هـ، ثم رئيسًا لقسم اللغة العربية وآدابها عام 1413هـ.
وقد تخلل سيرته عدد من الجوائز منها:
رُشِّحتْ رسالتُه لجائزة رسائل الدكتوراه المتميزة في جامعة تكساس - أوستن لعام 1981م، كما كُرِّم عن أعماله في الترجمة في اجتماع وزراء الثقافة والإعلام في دول الخليج العربية المنعقد في 24/11/1433هـ، في الرياض ضمن ثمانية عشر من المبدعين في دول الخليج العربية، كما فاز بجائزة الشيخ حمد للترجمة لدورة 2017م.
حازت سيرته: «واستقرتْ بها النوى» (2019م) الذي يتناول سيرته الذاتية بجائزة الدكتور غازي القصيبي التي ينظمها كرسي الدكتور غازي القصيبي في جامعة اليمامة بالرياض في دورتها الأولى (1443هـ/2022م)، وقالت اللجنة العلمية المشرفة على الجائزة عن الكتاب:
حازت سيرة الدكتور حمزة المزيني «واستقرّت بها النوى» على المركز الأوّل في «فرع الأدب»، إذ تميّزت بعمق التجربة الشخصيّة لكاتبها وتنوعها، مع القدرة التعبيريّة على صوغ الأحداث ورسم الشخصيّات ووصف الأماكن، مع الالتزام بمعايير السيرة الذاتيّة بأسلوب سهل، وقدرة على تلمّس الجزئيات الدقيقة وإبرازها.
وتحدث د. حمزة المزيني عن مفهوم السيرة الذاتية وأن السيرة الذاتية جزء من التاريخ وألمح إلى أهمية تاريخ الناس البسطاء وتؤخذ على أنها جزء من التاريخ الاجتماعي مثل كتاب «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة» للمؤلف هوارد زن ويعد هذا الكتاب سفراً مهماً في دراسة التاريخ الأمريكي، ليس بحجمه المكون من جزأين كبيرين، يغطي تاريخ الولايات المتحدة منذ انطلاق حركة الكشوف الجغرافية في أواخر القرن الخامس عشر وحتى ثمانينات القرن العشرين، وليس أيضاً بقدر الجهد الموسوعي المبذول فيه والذي تنوء بكتابته العصبة أولياً القوة من الباحثين والمؤرّخين، وإنما الأهم من هذا وذاك هو أن هذا الكتاب، الذي ترجمه شعبان مكاوي وصدر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2005، يخالف المألوف والمعروف عن التاريخ الأمريكي، إذ يقدم المؤلف والمؤرِّخ الأمريكي هوارد زن، الذي رحل عن عالمنا في 27 يناير الماضي عن عمر يناهز 87 عاماً، رؤية مغايرة موازية تكشف وتعري الوجه الآخر لتاريخ الولايات المتحدة كما صاغته وباعته الرواية الرسمية الأمريكية وأشار د. حمزة المزيني إلى سيرة»عمر»المكونة من عشرين صفحة وهو رجل إفريقي مسلم رحل من إفريقيا إلى أمريكا وكتب عن تاريخ الأفارقة المهاجرين وأشار د. حمزة المزيني إلى أن مثل هذه الكتابات التي ترصد حياة الناس البسطاء تؤرِّخ التاريخ الاجتماعي والثقافي للأمم بعيداً عن الرواية الرسمية لكتابة التاريخ.
كما تحدث د. حمزة المزيني عن اهتمام الأدباء السعوديين بالسيرة الذاتية وذكرياتهم في طيبة الطيبة ووجد أن كتابات عزيز ضياء احتوت على تفاصيل مهمّة في تاريخ المدينة وكتابات محمد حسين زيدان» ذكريات العهود الثلاثة» عاصرها المؤلف وعاش في أجوائها فكان شاهدًا على تحولاتها في مجتمع المدينة المنورة.
وبعد أن أعطى د. حمزة المزيني لمحة سريعة عن نماذج السيرة الذاتية في الأدب العالمي والكتاب المحلية أخذ يتحدث عن كتابه «واستقرت بها النوى «وقال: «إنه لم يفكر في يوم من الأيام في كتابة سيرته الذاتية».
ويعرف المزيني بمقالاته الجريئة في» نقد المناهج»، و»نقد مفاهيم أسلمة المعرفة»، وفي نقد» التيارات التقليدية»، و»ثقافة التطرف: التصدي لها والبديل عنها»، و»الأهلة وشهود المستحيل»، و»في مواجهة التشدد» و»اختطاف التعليم في المملكة العربية السعودية».
وجاء على غلاف الكتاب «واستقرت بها النوى» قوله «المؤكد أني كغيري من بني البشر، لم أخطط بوعي لما مررت به من تجارب في حياتي لا سيما في الفترات التكوينية الأولى، فالبشر نتاج صدف تمليها الظروف التي نشأوا فيها وتحيط بهم وتدفعهم إلى اتجاه بدلاً من اتجاه آخر، فنحن لم نختر المكان الذي ولدنا فيه، مثلاً، ولم نختر العصر الذي عشنا فيه، ولم نختر الوالدين اللذين أنجبانا، إضافة إلى العوامل الأخرى كلها التي تؤثّر في حياتنا وتوجهها لأن تأتي على شكل بدلاً من شكل آخر، أما ما يبدو لنا، حين نستعرضه في وقت ثانٍ، كأنه تخطيط واعٍ تظهر فيه تجاربنا كأنها نتائج تترتب على مقدمات صريحة محددة، فصورة مضللة تعرضها الذاكرة على مقدمات صريحة محددة على الأحداث التي تمر بالفرد حين يحاول اكتشاف المنطق وراءها.
وكتاب «واستقرت بها النوى» ليس قصة حياة كاتبها فقط، بل قصة جيل بأكمله يكاد يندثر ويسلم الأمانة لمن بعده، د.حمزة المزيني من أولئك الذين كتب الله لهم أن يعيش حياة جيلين مختلفين، عاش وتربى على يد آباء وأمهات عرفوا معنى «المعاناة» و»الألم «، و»الصحة «و»المرض» و»الخوف «و»الجوع «و»الأمن»، ثم عاش في زمن الرخاء والفرص المتعددة ، في صفحات كتاب «واستقرت بها النوى» تقرأ عن «الفقد « و»اليتم» وحياة «القرية «ومجتمعها المترابط، والزراعة وعنائها ومخاطرها، والمدرسة وتواضع إمكاناتها وقسوة معلميها، والصحوة وما أحدثت من تغييرات على مستوى الأسرة والمجتمع.
وللدكتور حمزة المزيني ذاكرة قوية في حفظ أسماء معلميه وزملائه وهو من باب الوفاء لهم وذكر محاسنهم وترحم على من مات منهم، وذكر كل من أهدى إليه جميلاً، ومن كان سبباً في نجاحه مثل سائق «القلابي» خلف، الذي تكفل بإيصاله وأخاه إلى المدرسة مع حمولة سيارته من الرمل، ومدير المدرسة المتوسطة الشجاع الذي اتخذ قراره في الحال وأدخله الفصل وكانت نقطة التحول في حياته بعد أن رفض مدير المدرسة الصناعية إعطاءه الشهادة الابتدائية على أمل أن يواصل دراسته معهم.
وكانت للقراءة الحرة أثر في حياته ونجاحاته وسعة أفقه واطّلاعه و غزارة إنتاجه من الكتب والمقالات والرسائل، وفي ما ترجمه من كتب ومقالات لها علاقة بتخصصه اللغوي «اللسانيات» وخاصة للأستاذ (نعوم تشومسكي) و(ستيفن بنكر)، كما راجع الكثير من المقالات المترجمة والكتب ونقدها وبين عيوبها ووضعها في كتاب أسماه (مراجعات لسانية)، وكانت له مقالات جريئة في بدايات تأسيس صحيفة «الوطن ومنها ما له علاقة بالتعليم وتطويره، وبالأهلة وضرورة الاعتماد على المراصد الفلكية بدل العين المجردة والتي أشار الكاتب إلى أنها معرضة للخطأ، وكم مرة شهدوا برؤية الهلال رغم أنه غاب قبل الشمس ومن المستحيل رؤيته.
ولم تقتصر فوائد القراءة على التأليف والترجمة ؛بل تعداهما إلى متابعة السرقات العلمية وخصوصا في الترجمة وذلك بالبحث والاستقصاء وزيارة المكتبات في القاهرة وفي العواصم الأخرى للبحث المجرّد حتى تكون آرائه مبنية على أسس علمية وتحمل مصداقية في البحث والدراسة وهذا ما يميّز الأستاذ الجامعي الجاد ويعود ذلك لتنوع قراءاته باللغتين العربية والإنجليزية
كما واصل حمزة المزيني فضح دجل الجامعات الوهمية والشهادات الوهمية وكانت من أجرأ مقالاته «جامعة كولومبوس!» ومما جاء في هذه المقالة « ومن هذه «الجامعات» المُزيَّفة التي شاع ذكرها والتهافت عليها منذ سنوات «جامعة» كولومبوس التي تعد من أشهر أوكار الخداع «الأكاديمي» في أمريكا. ويطلق الأمريكيون على هذه الأوكار اسم Diploma Mill أي «طاحونة شهادات»، فهي مجرد مكان لطباعة «الشهادات» الورقية وبيعها لمن يتورط بشرائها.
عرف كثير من القراء كثيراً من المعلومات التي تتداول عنها في وسائل التواصل الاجتماعي الآن، وسأورد بعضها للاستشهاد وحسب.
وتَنشر الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية المختلفة، وغير الأمريكية، كثيراً من التقارير التي تفضح هذه «الجامعة» وأمثالها، وتفضح الممارسات غير الأخلاقية التي تنتهك بها الأعراف العلمية.
فمما تقوله تلك التقارير أن «جامعة» كولومبوس مؤسسةٌ تَزعم أنها متخصِّصة في «التدريس عن بُعْد». لكنها غير معترف بها أكاديميا في أية ولاية أمريكية. وهذا ما جعلها تتنقل بين ولايات لويزيانا والمسيسبي وألباما بسبب طردها المتكرر من هذه الولايات. وكانت صحيفة «آيرش تايمز»، الأيرلندية، قد عرضت، في نوفمبر 1998م، لهذه «الجامعة»، وأمثالها، في مقال بعنوان: «دَرْزنٌ قَذِرٌ – اثنتا عشرة طاحونة مشهورة للشهادات» (والعنوان إشارة إلى فيلم أمريكي مشهور).
ولم تستطع «جامعة» كولومبوس الحصول على اعتراف أكاديمي طوال السنين. فقد رخَّصت لها ولايةُ لويزيانا، في سنة 2000م، بشرط أن تحصل على شهادة اعتراف أكاديمي، لكنها فشلت في التقدم للحصول على ذلك الاعتراف مما أدى إلى سحب الرخصة منها وأغلقتْها حكومةُ الولاية بوصفها «طاحونة شهادات»
ويروي التقرير (قناة التلفزة في ولاية لويزيانا) أن لـ «الجامعة» موقعاً باللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية، وفيه كثير من الأخطاء الإملائية بالإنجليزية! ويقول مكتب التحقيقات الفيدرالية إن لـ «جامعة» كولومبوس شريكاً في المملكة يتولى إرسال مبالغ مالية مع قائمة بالأسماء إلى عنوان «الجامعة»، ثم ترسل «الجامعة» شهاداتٍ «أكاديمية» بالبريد إلى أولئك الطلبة الأجانب. ويبلغ ثمن «الشهادة» 3000 دولار للبكالوريوس، و3600 للماجستير، و4200 للدكتوراه
وختم د حمزة المزيني مقالته الجريئة -آنذاك - بقوله « ويحوي موقعُ Diploma Mill Police تحذيراً من هذه «الجامعة» نَصُّه: «تحذير: انتبه. هذه «الكلية» لا تَعترف بها أيةُ هيئة يَعترف بها مجلسُ الاعتراف بالدراسات العليا أو وزارة التعليم الأمريكية لتعطي درجات علمية». ويتضمن الموقعُ تحذيرات مماثلة صادرة عن عدد من الجامعات الأمريكية المشهورة في ولايات أمريكية عدة.
ألا يُعد غش هذه «الجامعة» المزيَّفة وكذبُها سبباً كافياً ليُعامَل من «اشترى» منها «شهادةً» مزيَّفة بما يوجبه نظامُ مكافحةِ التزوير؟» وقد أثارت جملته الأخيرة غضب بعض من تورطوا في شراء هذا الشهادات الوهمية ؛إلا أن الدكتور حمزة المزيني لا يعبأ بهم مادام أنه يكتب ما يمليه ضميره وأمانته العلمية.
وقال الدكتور حمزة المزيني في محاضرته في نادي تاريخ المدينة المنورة إن كتابة السير الذاتية لا تقتصر على النخب بل يستحق كل فرد في المجتمع أن يكتب سيرته الذاتية وهناك فرق بين «السير الذاتية « و»الاعترافات» فالاعترافات جاءت من التقاليد المسيحية الكاثوليكية ومنها أن يعترف المذنب في الكنيسة بخطيئته أمام «الكاهن» أو «القس» حتى يصفح عنه وفي ثقافتنا وديننا الإسلامي الحنيف لا يوجد مثل هذا بل الدين الإسلامي يحث على الستر وليس ملزما بفضح نفسه ، وحتى لا تنتشر ثقافة القبح في المجتمع وتشوّه جماليات الحياة كما هو في رواية «الخبز الحافي «للروائي المغربي محمد شكري.
و في نهاية اللقاء تمّ تكريم الدكتور حمزة المزيني من قبل رئيس نادي تاريخ المدينة الدكتور صالح السلمي وحضر اللقاء المهندس عبدالكريم بن سالم الحنيني وكيل إمارة منطقة المدينة المنورة سابقاً وجمهرة من مثقفي المدينة المنورة وأعلامها.