د. عبدالحق عزوزي
يعيش عدد كبير من الناس في بلد آخر غير البلد الذي ولدوا فيه؛ بينما يهاجر العديد من الأفراد بصورة طوعية، ويهاجر كثيرون آخرون سراً بدافع الضرورة بحثاً عن عيش أفضل أو هروباً من ويلات الحروب والفتن ما ظهر منها وما بطن..ووصل عدد المهاجرين حول العالم إلى 281 مليون شخص.
وهذا العدد يمثل 3,6 بالمائة من عدد سكان العالم؛ ويقارن العدد بـ272 مليون مهاجر على مستوى العالم في 2019، كانوا يمثلون 3,5 بالمائة من سكان العالم.
كما أن هناك حقائق مؤلمة وأرقاماً مرعبة قدمتها تقارير الأمم المتحدة الأخيرة بخصوص حركة المهاجرين السريين واللاجئين في مناطق عدة بالعالم كما هو الحال عبر البحر الأبيض المتوسط؛ وتشير هذه الأرقام إلى ارتفاع مأساوي في عدد الوفيات فاق الـ 130 بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية، فأضحت المياه المتوسطية مقبرة للمهاجرين القادمين من إفريقيا والدول العربية والشرق الأوسط؛ وفي الوقت نفسه، زاد عدد الأشخاص الذين حاولوا العبور بحراً من شمال إفريقيا إلى أوروبا في ستة أشهر الأولى من هذا العام بنسبة 58 بالمائة.
كما أن المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط عبر بلدان مثل ليبيا، فإنهم يتعرضون لأساليب متنوعة من العنف كالاختطاف والتعذيب والابتزاز.
والمحاولات الأوروبية للقضاء على الهجرة من خلال تعزيز الحدود الوطنية وتعزيز مراكز الاحتجاز خارج حدودها تدفع راغبي الهجرة السرية إلى أيدي المهربين ليجدوا أنفسهم في قوارب تقودهم عبر البحر الأبيض المتوسط.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، انتهى العمل بالبند 42، وهو إجراء قانوني يعود تاريخه إلى سنة 1944، ومعروف بقانون الصحة العامة، إذ يمنح للسلطات الأمريكية الحق في فرض حالة الطوارئ لمنع انتشار الأمراض.
وفي آذار/ مارس 2020، استندت إدارة الرئيس السابق ترامب إلى هذا القانون في إطار سياستها لوقف تدفق أمواج المهاجرين، بحجة منع انتشار وباء كورونا؛ وهو ما مكنها، وبحجة منع انتشار الوباء داخل البلاد، من طرد المهاجرين وطالبي اللجوء.
وأبقت الإدارة الحالية للرئيس ترامب العمل بذلك القانون على الحدود، مما أدى إلى طرد أكثر من مليوني مهاجر وطالب لجوء بين 2021 و2022.
ومع إعلان السلطات الفيدرالية الأمريكية انتهاء العمل بإجراءات الوقاية من وباء كورونا، بات «البند 42» غير قابل للتطبيق، ولن تتمكن السلطات من استخدامه.
وتنقل لنا القنوات التلفزية الأمريكية هاته الأيام لقطات من المدن والبلدات الحدودية توحي بارتفاع كبير في أعداد المهاجرين الوافدين عبر الحدود مع انتهاء العمل «بالبند 42»، خاصة وأن كثيرين ممن تم طردهم بموجب هذا القانون بقوا في الحدود ينتظرون فرصة تسمح لهم بالرجوع إلى أمريكا.
وكما هو الحال في أوروبا، أضحت الهجرة موضوعاً انتخابياً وسياسياً بامتياز خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية؛ فالرئيس ترامب يعتبر «البند 42» أحد «أنجح سياساته».
فيما ينتقد الجمهوريون بايدن الذي أعلن نيته إعادة الترشح لانتخابات 2024، بسبب تراجعه عن السياسات المتشددة بملف الهجرة للرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
وأظهر استطلاع للرأي أن 4 من كل 10 أمريكيين يعتقدون أنه ينبغي السماح لعدد أقل من المهاجرين وطالبي اللجوء بدخول البلاد؛ كما أن حوالي ثلثي جمهور الحزب الجمهوري يؤيدون هذا المطلب، في حين أظهرت الاستطلاعات انقسامات في صفوف الديمقراطيين، إذ اعتبر 37 في المائة أن على بلادهم استقبال المزيد من المهاجرين وطالبي اللجوء.
وأظن أنه مع إنهاء العمل «بالبند 42»، سيعود الرئيس بايدن إلى البروتوكولات السابقة، إذ ستقوم سلطات البلاد إما بإبعاد المهاجرين من البلاد أو احتجازهم أو إطلاق سراحهم إلى حين النظر في قضاياهم أمام محكمة الهجرة.
والذي نلحظه هو أن قضية الهجرة تشكل أكبر عقبة ليس فقط في قياس باروميتر شعبوية الحكام، ولكن أيضاً في مصير الحكومات، ونحن نتذكر عندما استسلمت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، لضغوط حلفائها المحافظين، ووافقت على الحدِّ من عدد اللاجئين الذين تستقبلهم ألمانيا إلى 200 ألف لاجئ سنوياً.
ولطالما ضَغَطَ حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري، وهو الحزب الشقيق لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي كانت تتزعمه ميركل، من أجل وضعِ سقفٍ لعدد اللاجئين، لكن ميركل قاوَمَت بفشل هذا الضغط، وأصبحت بذلك مسألة الهجرة وكيفية التعامل معها من أكبر العوامل المحددة لمستقبل الإدارات والحكومات والأحزاب في أمريكا وأوروبا.