أ.د.عثمان بن صالح العامر
في هذا العصر الذي تقدمت فيه مظاهر الحضارة المادية، وسادت فيه التقنية، ووصل الحال إلى التبشير بحلول الذكاء الاصطناعي محل بني البشر في شغل كثير من الوظائف الحياتية، في هذا الزمن المادي الصرف اعتقد البعض من مفكري الغرب أن الإنسان بلغ درجة عالية من الرشد والعلم والإدراك، وأنه بات سيد نفسه وحاكم ذاته، وأنه قادر بمفرده على تسيير شؤون حياته، وتدبير أمور عيشه، وحل مشاكله، وتطوير دنياه، وتشكيل المنظومة القيمية الأكمل والأفضل لحياته الفردية والمجتمعية، من غير احتياج منه لأي قوى خارج نطاق إنسانيته، ولا وصاية أية جهة مباينة لطبيعته.
فالعقل الإنساني في ظنهم يمكنه أن يجيب على كل الأسئلة التي تطرح عليه، ويكشف عن أفضل السبل وأكملها المناسبة لتحقيق حياته الفاضلة، فهو وحده دون غيره مقياس كل القيم، ومعيار كل المبادئ، وميزان كل الأفكار، هو الذي يصوغ حياة البشرية المعاصرة بما يشاء، ويرسم مستقبلها ويحدد مصيرها، هو الموجود الأعظم في هذا الكون، وله السيادة الكونية التي يجب أن يخضع لها كل شيء، ولا تخضع هي لشيء.
كما ترى أصحاب هذه النزعة التطرفية في العقل الإنساني المستغنية عن الله والعياذ بالله أن الإعلاء من شأن أي موجود آخر فوق منزلة الإنسان يعني بالضرورة التحقير من شأن الإنسان ومنزلته، فبقدر ما يرفع الإنسان من شأن الله بقدر ما يحط من قدر نفسه.
وتنطلق هذه النزعة من أن الإنسان لم يعد ذلك المخلوق الضعيف، الذي يخاف من كل شيء، ويخضع للخرافات والأساطير، ويستسلم للأوامر القادمة من غيره، وإنما أصبح رفيع المنزلة عالي المكانة، فقد بات المكتشف الأسرار الكون، والعالم بقوانينه، والمؤثر في تغيير مجريات الحياة، والمؤسس للقوانين المحققة للسعادة والرقي، والصانع لأفضل الصناعات في كل المجالات.
هو بهذه المواصفات والمؤهلات لم يعد بالإمكان أن يخضع لسلطة أعلى منه أو خارجة عن نطاقه؛ لأن ذلك يعني تخليه عما وصل إليه من استقلال ورشد ذاتي، وفي تأكيد هذا المعنى يقول جوليان هكسلي: «الإنسان قد خضع لله بسبب عجزه وجهله، والآن وقد تعلم وسيطر على البيئة، فقد آن أن يأخذ على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل في عصر الجهل والعجز على عاتق الله، ومن ثم يصبح هو الله) .والعياذ بالله .
أليس هذا إنكار لمشيئة الله وقدرته بل نفي لوجوده عز وجل ونزوع نحو التطرف العقلي، وهذا وذاك يسلب الإنسان فطرته التي فطر عليها من الإيمان بوجود خالق مالك متدبر ومتصرف أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، فضلاً عن دينه الذي يدين الله به، ولوجود هذا الطرح الشقي في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي كان لزاماً من التنبيه بخطورة هذا النزوع التطرفي الذي هو سبب من أسباب شقاء إنسان العصر وإلى لقاء والسلام .