د. محمد بن إبراهيم الملحم
هذا الأسبوع أعلنت نتائج الاختبار الدولي في القراءة المعروف بـ اختبار بيرلز PIRLS وهو جزء من دراسة دولية لتقدم القراءة وليس مجرد اختبار قائم بذاته، ويشرف عليه مركز الدراسة الدولية في كلية بوسطن بالتعاون مع الجمعية الدولية لتقييم الإنجاز التعليمي IEA ومقرها أمستردام والتي تضم عضوية 70 دولة تقريباً، وفترته كل خمس سنوات حيث يشارك فيه طلاب الصف الرابع فقط، ويكون موضوعه في مجال القراءة وفهم القراءة، على أن تكون القراءة مما يتعلق بالمقرر لهم في المنهج المدرسي، كما تتضمن هذه الدراسة بجانب الاختبار استبانات للطلاب والمعلمين ومديري المدارس وأولياء الأمور للتعرف على بيئة التعلم وعوامله المختلفة ورصدها لتفيد منها الدولة في التطوير والتحسين، الجدير بالذكر أنه مع أن الاختبار هو لطلاب الصف الرابع فإنه يمكن للدول أن تختار المشاركة بطلاب الصف الخامس باعتبارهم يعبرون عن مستوى الصف الرابع، وهذا ما فعلته المملكة العربية السعودية حيث شاركت بطلاب الصف الخامس في هذه الدورة، وفي هذه الحالة تظهر نتائج مثل هذه الدول في قائمة تحمل التعبير التالي «التقييم المتأخر لطلاب الصف الرابع وذلك في بداية التحاقهم بالصف الخامس» Delayed Assessment of Fourth Grade Cohort at the Beginning of Fifth Grade ترى الجهة المنظمة لهذا الاختبار أنها تجريه في الصف الرابع لأن هذه الفترة العمرية هي التي تكون فيها نقطة التحول في نمو قدرات الطالب (أو الطالبة) القرائية حيث أصبحوا الآن «قراء» مستعدين لاستخدام القراءة كوسيلة للتعلم الذاتي ولم تعد بالنسبة لهم هي ذاتها موضوع تعلم.
طبعاً هذه الفرضية (الجميلة) تصبح صحيحة ومنطبقة فقط على الدول التي حققت المراكز المتقدمة في هذا الاختبار بينما التي تكون تحت المتوسط فلابد أن تراجع نفسها بشأن القراءة فإن التأخر الكبير لدى طلابها يعني تأخراً كبيراً لديهم في «التعلّم» الذي هو أساس التفوق والتميز التعليمي للطالب والمؤسسة التعليمية والدولة بمصانعها ومجالاتها التي تنافس بها.
شاركت المملكة لأول مرة في هذا الاختبار عام 2016 حيث حققت 430 نقطة بترتيب 44 من 50 دولة مشاركة أي أنها كانت في الدول الخمس الأدنى ضمن القائمة، وعند النظر إلى ترتيبها تحت المتوسط فقد كانت الدولة العاشرة تحت المتوسط من أصل 16 دولة، ثم شاركت في الدورة التالية بعد خمس سنوات أي دورة عام 2021 وهي التي أعلنت نتائجها يوم الثلاثاء هذا الأسبوع فحققت 449 نقطة بترتيب 46 من 57 دولة مشاركة وكانت الدولة الثامنة تحت المتوسط من أصل 19 دولة، نسبياً فإن المملكة حققت تقدماً بسيطاً لكنه أقل من الطموح في ظل انتظار خمس سنوات لكل دورة.
هناك مقارنة نسبية بين المملكة وبقية الدول العربية حيث تقدمت على المملكة في كلا الدورتين كل من البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة كما تقدمت السعودية على الأردن وعمان والمغرب ومصر مع أن كل هؤلاء جميعاً يقعون أسفل مستوى المتوسط الحسابي (أي أن نتائجهم جميعاً منخفضة وهذا مؤسف لنا جميعاً كعرب وخليجيين)، كذلك هناك مقارنة نسبية أخرى وهي تتعلق بمقياس في بيرلز PIRLS يسمى «دول المقارنة» Benchmarking Countries وهي مجموعة من الدول تختارها اللجنة التوجيهية العليا International Steering Committee ISC وهي لجنة متعددة الجنسيات تشرف على كل أعمال الدراسة وتقوم باختيار دولة لتمثل مجموعة دول تتماثل معها في اللغة أو مجالات المنهج وأنظمة التعليم وغير ذلك من المعايير التي تضمن توفير دولة تمثل تلك المجموعة من الدول المتقاربة في متغيراتها، ومن ضمن تلك المعايير أيضاً جودة معلومات الدولة وتكرر مشاركاتها عبر السنين، وبالنسبة للدول العربية فإن دولة (أو مدينة) المقارنة التي اختارتها اللجنة لكلا الدورتين (2016 وكذلك 2021) هي دبي وأبوظبي، ودائماً تحقق دبي نتائج عالية (552 نقطة هذه السنة وهو رقم يماثل نقاط دولة الترتيب الثامن) بينما تحقق أبوظبي نتائج منخفضة ففي كلا الدورتين كانت السعودية أعلى منها.
عموماً السعودية كغيرها من الدول العربية لم تحقق إنجازاً يستحق الذكر والإشادة وتحتاج أن تبذل جهوداً مضاعفة لتتقدم في القراءة فهي أساس التعلم فمن لا يحسن القراءة لن يحسن تعلم بقية العلوم أي أن نتيجة هذا الاختبار لا تخبرنا عن نتائج طلابنا في مادة «المطالعة» وإنما في كل المواد الأخرى بدون استثناء لأن الطالب قبل الصف الرابع طفل نأخذ بيده ونلقنه المعرفة «غالباً» لكنه بعد الصف الرابع يفترض به قد أصبح قادراً على «التعلّم» بذاته ، وما لم يكن ذلك سيتأخر تعليمياً عن غيره من طلاب الدول الأخرى.
** **
- مدير عام تعليم سابقا