رضا إبراهيم
من المعلوم أن إدمان أحد أفراد الأسرة على المخدرات، وخاصة إذا كان أحد الأبوين، فإن ذلك يعني انحرافه برسالة الأسرة، فبدلاً من أن يكون أداة تعليم وبناء يصبح أداة هدم وتخريب، ويصبح مدمن المخدرات عاجزاً عن أداء واجباته تجاه أسرته، حيث إنه مضطر لإنفاق جزء كبير من دخله على شراء المخدرات، وذلك على حساب متطلبات الأسرة الرئيسية، ما يظهر عجزه المخزي على الوفاء بمتطلبات الأسرة الأساسية.
ومدمن المخدرات يجد نفسه دوماً عصبياً وميالاً إلى العنف، لا يكترث بتربية أولاده أو تعليمهم، ويسيء على الدوام معاملة المحيطين به، وفي هذا الوضع المحموم المليء بالقلق والتوتر تبدأ الحالات المرضية بالظهور في حياة الأسر، مثل حالات الطلاق أو الشقاق بين الزوجين، وبالتالي التفكك الأسري وتشرد الصغار وضياعهم، وهم في أحوج ما يكونوا إلى الرعاية والعطف، ولقد ظهر أن الأب المدمن قليل الإنتاجية فهو لا يقدس العمل، وبالتالي سيترك عمله آجلاً أو عاجلاً، أو سيطرد منه عقب وضوح تعاطيه للمواد المخدرة، وستجد الأسرة نفسها بلا عائل أو سند، ما يضطرها وسط تلك الظروف القاسية إلى الانخراط في مسالك الإجرام، وقد يفشل الأبناء في تكوين مستقبلهم العلمي والمهني نظراً لغياب رب الأسرة والموجه الأول والقدوة الحسنة من حياتهم، ومن ثم تنتهي بهم السبل إلى أزقة الجريمة وغياهب السجون أو الأحداث.
كما يؤدى تعاطي المواد المخدرة، إلى حدوث اضطرابٍ في الإدراك الحسي العام، وخاصةً إذا ما تعلق الأمر بحواس مثل (السمع أو البصر)، حيث يظهر تخريف عام في المدركات لدى المدمن، إضافة إلى الخلل في إدراك الزمن بالاتجاه نحو البطيء واختلال إدراك المسافات بالاتجاه نحو الطول، واختلال أو إدراك الحجم نحو التضخم، كما يؤدي تعاطي المخدرات إلى اختلال في التفكير العام وصعوبة وبطء به، وبالتالي يؤدي إلى فساد الحكم على الأمور والأشياء، الذي يحدث معها كثير من التصرفات الغريبة، إضافة إلى الهذيان والهلوسة، فتؤدي المخدرات إثر تعاطيها إلى حدوث آثار نفسية، مثل القلق والتوتر المستمر والشعور بعدم الاستقرار والشعور بالانقباض والهبوط، مع عصبية وحدة في المزاج وإهمال النفس والمظهر، وعدم القدرة على العمل أو الاستمرار فيه، فتعاطي المخدرات يسبب اختلالاً في الاتزان، والذي يحدث بدوره بعض التشنجات والصعوبات في النطق والتعبير عما يدور بذهن المتعاطي.
إضافة إلى صعوبة في الحركة أو السير، كما يشعر متعاطي المخدرات واهماً بحالة من المرح والنشوة والشعور بالرضا والراحة بعد تعاطي المخدر، يتبعه ضعف في المستوى الذهني، وذلك لتضارب الأفكار لديه، فهو بعد التعاطي مباشرةً يشعر بالسعادة والنشوة والعيش في جوٍّ خيالي، وغياب عن الوجود وزيادة في النشاط والحيوية، لكن سرعان ما يتغير الشعور بالسعادة والنشوة، إلى ندم وواقع مؤلم ومرير وفتور وإرهاق مصحوب بخمول واكتئاب شديدين، هذا وتتسبب المخدرات في حدوث العصبية الزائدة والتوتر الإنفعالي الدائم، والذي ينتج عنه بالضرورة ضعف القدرة على التكيف الاجتماعي، لأن تعاطي المخدرات يحطم إرادة الفرد المتعاطي، بجعل الفرد يفقد كل القيم الدينية والأخلاقية، ويتعطل عن عمله الوظيفي والتعليم، مما يقلل إنتاجيته ونشاطه اجتماعياً وثقافياً، وبالتالي يحجب عنه ثقة الناس به، ويتحول تلقائياً بفعل المخدرات إلى شخص كسول سطحي غير موثوق فيه أبداً، ثمل ومهمل ومنحرف في المزاج والتعامل مع الآخرين.
والمخدرات تشكل أضراراً على الفرد، فهي تؤدي إلى نتائج سيئة للفرد سواء بالنسبة لعمله أو إرادته أو وضعه الاجتماعي وثقة الناس به كما أسلفنا، كما أن تعاطيها يجعل من المتعاطي شخصاً ذا أمزجة منحرفة في تعامله مع الناس، والمخدرات تدفع متعاطيها إلى عدم القيام بمهنته، يفتقر إلى الكفاية والحماس والإرادة لتحقيق واجباته، ما يدفع المسؤولين عنه بالعمل إلى فصله من عمله أو تغريمه غرامات مادية تتسبب في اختلال دخله، وعندما يلح متعاطي المخدرات على تعاطي مخدر ما، ويسمى بداء التعاطي أو ما يسمى بـ (داء الإدمان) ولا يتوفر له دخل ليحصل به على الجرعة الاعتيادية إثر إلحاح المخدرات، فإنه يلجأ إلى الاستدانة وربما إلى أعمال منحرفة وغير مشروعة، مثل قبول الرشوة والاختلاس والسرقة وغيرها من الأفعال المشينة، التي لا يرضى عنها العباد ولا رب العباد.
وبذلك يبيع نفسه وأسرته ومجتمعه كله، فالمخدرات تحدث لمن أدمن عليها مؤثرات شديدة وحساسيات زائدة، ما يؤدي إلى إساءة علاقاته بكل من يعرفهم دون تفرقة بينهم فيُحدث الخلافات والمناوشات والمشاجرات، التي قد تدفع به إلى دفع الثمن باهظاً وهو مغيَّب، وعندما يفيق من شعوره يشعر بالندم الذي لا يفيد ولا يغير من واقع الأمر شيئاً، كذلك تسوء علاقة المدمن وتحدث اختلالاً في تفكيره، فهو لا يمكنه إقامة علاقات طيبة مع الآخرين، ولا حتى مع نفسه لعدم سيطرته على نفسه، وقد يؤدي به كل ذلك في النهاية إلى الخلاص من واقعه المؤلم بالانتحار، حيث وجدت علاقة وطيدة بين تعاطي المخدرات وبين الانتحار، ومعظم حالات الانتحار التي سجلت في كثير من الدول، كان السبب الرئيسي فيها هو تعاطي جرعات زائدة من المواد المخدرة.
وبخلاف كل ما تم سرده، فإن المخدرات تؤدي إلى نبذ الأخلاق، وفعل كل منكر وقبيح، والتي يقع أكثرها تحت تأثير المخدرات، فنرى جميعاً عبر وسائل الإعلام المتعددة ما للمخدرات من آثار سلبية جداً على الفرد والمجتمع، فيظهر مدى تأثير المخدرات على الأسرة والتي هي العامل الرئيسي في الأمة، والتي إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت انهار أساس تكوين المجتمع كله، فوقوع أي خلل في نظام الأسرة من شأنه أن يحول دون قيامها بواجبها، إذ إن تعاطي المخدرات يصيب الأسرة والحياة الأسرية بأضرار كبيرة يصعب حصرها، لأن زيادة الإنفاق على تعاطي المخدرات يقلل دخل الأسرة الفعلي، ما يؤثر على نواحي الإنفاق الأخرى ليتدنى المستوى الصحي والغذائي والاجتماعي والتعليمي، وبالتالي يتدنى الطابع الأخلاقي لدى أفراد تلك الأسرة، التي وجه عائلها دخله للإنفاق على المخدرات.
وهذه المظاهر تؤدي إلى انحراف أفرادها لسببين رئيسين، أولهما انحراف القدوة الممثلة في الأب والأم أو العائل، بينما يتمثل السبب الأخير في الحاجة التي تدفع الأطفال إلى أدنى الأعمال لتوفير الاحتياجات المتزايدة في غياب العائل، بجانب الآثار الاقتصادية والصحية لتعاطي المخدرات على الأسرة، لذلك نجد أن متعاطي المخدرات يقوم بعادات غير مقبولة، حيث يتجمع عدد من المتعاطين في بيته ويسهرون إلى آخر الليل وربما حتى شرق الشمس دون أدنى احترام لحرمات البيت، وسرعان ما يولد لدى أفراد الأسرة تشوق لتعاطي المخدرات تقليداً للشخص المتعاطي، أو يولد لديهم الخوف والقلق، خشية أن تهاجم الشرطة المنزل للقبض على من به من مدمنين.
علماً بأن تهريب المخدرات إلى المجتمع المستهلك لها، يعني في المقام الأول إضاعة وإهدار أموالٍ كبيرة ينفقها أفراد المجتمع المستهلك، وذلك عن طريق دفع تكاليف السلع المهربة إليه، بدلاً من أن تستخدم هذه الأموال في ما يفيد المجتمع، مثل استيراد مواد أو آليات تفيد المجتمع في أعمال لإنتاج أو التعليم أو الصحة أو غيرها من الأعمال الأخرى، ومن ناحية أخرى يساعد تعاطي المخدرات على إيجاد نوع من البطالة والتضخم، حيث إن المال إذا استغل في المشاريع النافعة، فهو يتطلب توفير أيدٍ عاملة، ما يعود على المجتمع بالتقدم والرخاء في مختلف المجالات ويرفع معدل الإنتاج، ولكن حالة ما إذا استعمل المال في تجارة المخدرات، فإنه لا يكون بحاجة إلى أيدٍ عاملة أو كوادر مدربه، أو خريجي جامعات.
وكذلك ظهر واضحاً أن الاستسلام للمخدرات، يؤدي إلى إعاقة تنمية المهارات العقلية، والنتيجة هي انحدار إنتاج ذلك الشخص، وبالتالي للمجتمع الذي يعيش فيه من ناحية الكم أو الكيف، فكل دولة تحاول أن تحافظ على كيانها الاقتصادي وتدعيمه لكي تواصل التقدم، ومن أجل أن تحرز الدولة كل هذا التقدم، فإنه لا بد من وجود قدر كبير من الجهد العقلي والعضلي سوياً، ليتحقق لها ولأبنائها الرخاء والرفاهية، بينما تعاطي المخدرات ينقص من القدرة على بذل الجهد، ويستنفد القدر الأكبر من الطاقة ويضعف القدرة على الإبداع والبحث والابتكار، إضافة إلى ذلك فإن المخدرات تكبد الدول نفقات باهظة، من أهم هذه النفقات وهو ما تنفقه الدول في استهلاك المخدرات، حيث إن الدول المستهلكة للمخدرات تجد نفقات استهلاك المخدرات في طريقها إلى خارج أراضيها، بحيث إنها لا تُستثمر تلك النفقات في الداخل، الأمر الذي يؤدي دوماً إلى انخفاض في قيمة عُملتها المحلية، أمام مثيلاتها من العُملات الأخرى.