صبحي شبانة
لم أجد أفضل من هذا العنوان للقمة العربية الـ32 التي تنعقد في جدة يوم الجمعة 19 مايو، فلقد هيأت المملكة العربية السعودية أجواء إيجابية غير مسبوقة، فرضت الرياض واقعا عربيا وإقليميا جديدا، تلاشت فيه الخلافات العصية التي كانت تمثل في السابق حجر عثرة لأي تعاون عربي - عربي، أو عربي - إقليمي، بفضل السياسة السعودية الحكيمة التي انتهجها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتصفير الأزمات، واقتحام الحواجز النفسية التي كانت تحول وحلحلة الخلافات المزمنة مع إيران، والعمل على عودة الجمهورية العربية السورية ومشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة العربية.
لقد وضع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القادة العرب أمام واقع جديد لم يكن باستطاعة حالم أن يتخيله، فلأول مرة منذ عقود طويلة يجتمع كل القادة العرب في قمة عربية استثنائية بكل المقاييس، تؤسس لمستقبل عربي يقوده أمير عربي من جيل جديد آثر أن يتجاوز منغصات الماضي، أن يرمي بكل الموروثات التي كانت تثقل كواهل الأمة العربية في الهواء الطلق، أدرك أن بناء الأمم يقوم على ازدواجية حكمة الكبار وسواعد وعقول الشباب المفعم بالأمل، المتخم بالحيوية، والمتسلح بعراقة الماضي والعيش في براح المستقبل.
في ظني أنه لم يسبق لقمة عربية أن جمعت كل هذا العدد من الزعماء العرب. فلن يتغيّب عنها أحد، وللحقيقة ليس بوسع أحد من الزعماء أن يتغيب، فلم تترك المملكة للتخلف عن المشاركة مبررا بعد كل هذا الجهد المضني الذي خاضته الدبلوماسية السعودية التي جابت العالم طولا وعرضا، شمالا وجنوبا، في تقديري وهو صحيح أن القمة نجحت قبل أن تبدأ، سيكون هناك، للمرة الأولى منذ فترة طويلة، لقاءات بينية أخوية صادقة صريحة بين القادة العرب في أجواء تصالحية، خالية من التشاحن، لقد حرصت المملكة أن تكون القمة العربية الـ32 قمة فاصلة في التاريخ العربي الحديث، قمة جامعة تقدم حلولا، تزيح العوائق والعراقيل، وتعمق من فضائل وخصال الوئام العربي، وتصيغ رؤية جماعية تستفيد من أخطاء الماضي، وتعيد بلورة آليات العمل العربي المشترك في ظل تحديات إقليمية وعالمية، تلك المعاني وغيرها يستلهمها من تعمق مثلي واجتهد في فهم ما بين الفواصل وما حوته سطور رؤية المملكة 2030، التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان في عام 2016، تلك الرؤية التي حولت بحق المملكة في سبع (7) سنوات من دولة إقليمية إلى دولة كونية هي الأكثر تأثيرا في عالم اليوم، يخطئ من يظن أن الرؤية انصب اهتمامها فقط على الجوانب الاقتصادية، أو أنها اعتنت بالشأن الداخلي للمملكة، ولكنها رؤية شاملة جامعة هيأت المناخات، وعبدت الأجواء لنهضة أمة، استطاعت في غضون سنوات معدودة أن تحقق خلالها المملكة إنجازات كانت تحتاج لعقود طويلة، وربما أكثر.
لا شك أن القمة العربية في دورتها الـ32 تحظى باهتمام إقليمي وعالمي بالغ ناتج عن أهمية وتأثير المملكة، الدولة المستضيفة التي تسعى إلى بناء نظام إقليمي عربي فعّال، وتلعب دورا إقليميا وعالميا في تصفير الأزمات، ونجحت إلى حد كبير في إنهاء الاستقطاب الإقليمي والدولي، وتسعى دون كلل لأن تضع الحرب الروسية - الاوكرانية أوزارها.
لا شك أن جدول أعمال القمة ممتلئ بالملفات العديدة التي يأتي في مقدمتها قضية إعادة إعمار سوريا، وإعادة اللاجئين السوريين المنتشرين حول العالم، أيضا توفير الدعم المالي للشعب الفلسطيني الذي يتعرض للاعتداءات الإسرائيلية على غزة، والحرب في السودان، والأمن المائي العربي، وخصوصا ملف سد النهضة الإثيوبي الذي يشكل خطرًا على الأمن المائي في مصر والسودان، كما تمثل التحديات الاقتصادية اهتماما بالغا، حيث يأتي في سلّم أولويات القمة الانهيار الاقتصادي والمالي غير المسبوق في لبنان، كما يمثل الجانب الأمني، ومكافحة الإرهاب في المنطقة أولوية كبيرة، في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، ومواقف الدول العربية من الأزمة الأوكرانية، والتي خلقت بعض الفتور في علاقة بعض الدول العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، كما أن الاتفاق السعودي - الإيراني يفرض نفسه، خصوصا الارتدادات المتوقعة والمنتظرة على الأذرع التي زرعتها طهران في عدد من الدول العربية.
القمة العربية في تقديري سوف تترك أثرا إقليميا وعالميا كبيرا لما تمتلكه المملكة من رمزية وتأثير معنوي يتخطى حدود الجغرافيا، وحواجز اللغة، والقدرة على الفعل، فمملكة اليوم تختلف عن سعودية الأمس، الرهان عليها بحجم ما تمتلكه من قدرة تأثير وإنجاز، أحلام الشارع العربي كبيرة وآماله عريضة لأنه اعتاد أن تقدم الرياض في عهد حكيم العرب خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده أمير العرب الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - الأنموذج في كل شيء ينتظر أن تقدم المملكة من القمة العربية خارطة طريق ينعم فيها المواطن العربي بالسلام والأمن والاكتفاء والرخاء.