محمد سليمان العنقري
تعقد خلال الأيام القليلة القادمة القمة العربية في المملكة العربية السعودية وتكتسب أهمية بالغة لانها تأتي بعد جهود كبيرة بذلت من قبل المملكة لتعزيز العمل العربي المشترك، بعد أن عصفت احداث مؤلمة بالعديد من الدول العربية وحولت بعضها لدول منهكة مدمرة اقتصادياً واجتماعياًً، فكان لا بد من قيادة العمل العربي لمرحلة جديدة تقوم على الواقعية، بضرورة تقديم مصلحة العرب على أي مصالح ضيقة تخدم اطراف خارجية، فمن المهم العودة للعمل على فرض السلم والاستقرار بالعالم العربي وتعزيز التوجه للبناء والتنمية، حيث تقدم رؤية 2030 السعودية نموذجاً مشرقاً لأهم مشروع تنموي عربي يعد ملهماً لجميع الدول والشعوب بالمنطقة لانها تركز على بناء الانسان ليواكب القرن الحالي عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
فالرؤية التي تنفذ مراحلها وفق ما خطط له حققت نجاحات كبيرة، حيث إن السعودبة باتت أهم وجهة للاستثمار بالشرق الاوسط وأثر نتائج النمو والتقدم الاقتصادي السعودي الايجابي وصل للعديد من الدول العربية، حيث دخلت المملكة نادي التريليون دولار كاجمالي الناتج المحلي وهي أول دولة عربية تحقق ذلك وبما يمثل 30 بالمائة من الناتج الاجمالي العربي، بينما عدد سكانها يمثل 10 بالمائة من سكان العالم العربي، حيث تلعب دوراً دولياً مهماً من خلال عضويتها بمجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم بأن تدافع عن مصالح المنطقة وتدعو لتضافر الجهود الدولية لإعادة الاستقرار والتنمية لها من خلال ما تتمتع به من علاقات فاعلة وقوية مع الدول العظمى بالعالم، لكن دور الدول والحكومات مهما بلغ من الاهمية والتأثير في التنمية لا يكتمل وتتعزز نتائجه على أرض الواقع ما لم تقم الشعوب أيضاً بدورها في التركيز على تنمية قدراتها واهتمام كل فرد بما يفيده ويطور مهاراته وأن ينشغل بذلك فقط، فدول الخليج على سبيل المثال وعلى رأسها السعودية اهتمت وما زالت ببناء الانسان واعداده ليكون عنصراً منتجاً وهو ما يظهر من خلال نجاح تقدم دور قطاع الأعمال الكبير بالناتج المحلي الخليجي وهو ما انعكس على حياتهم ومستوى الرفاهية والتقدم بمؤشرات التنمية البشرية عالمياً، فمن المهم أن تبتعد غالبية الشعوب العربية عما لا يفيدها من اهتمامات وتحديدا في الدول التي تعاني من ضعف اقتصادي رغم امكانياتها الكبيرة أو تلك التي عانت من الفوضى فيها في السنوات الماضية، فماذا يعني ان تضيع وقتك بتحليل نتائج الانتخابات الامريكية والفرنسية وبماذا سيستفيد المواطن العربي من معرفة تفاصيل الحياة السياسية للمجتمع الأمريكي أو الفرنسي والاوروبي فهم مشغولون بأنفسهم وتوجهاتهم منطلقة مما يصب في مصلحة اقتصادهم.
كما أن الاهتمامات من بعض الشعوب العربية وصلت لحد من المبالغة كبير جداً بالاهتمام بما يدور بدول مجاورة للعالم العربي، فينشغلون بالانتخابات الرئاسية التركية ويتحدثون عن مزايا كل مرشح وكأن ذلك له أي اثر بحياتهم أو أن ما يرددونه من آراء له صدى بالشارع التركي الذي لا يعلم عن كل ما يتردد خارج حدوده عن الانتخابات ولا يهتم لأي رأي غير ما يراه يحقق مصلحته، فهم توجهوا للانتخابات بدوافع تتعلق بمصلحة دولتهم ومن منظور تنموي اقتصادي وسبختارون من يحقق لهم تطويراً لاقتصادهم ولدولتهم، بينما بعض الشعوب العربية تركوا ما يهمهم لما لا يفيدهم ولا يقدم أو يؤخر في حياتهم، فبدلاً من النظرة الواقعية لامكانياتهم والعمل على تطويرها والالتفات لاعمالهم تجدهم مشغولين بقضايا لا منفعة منها لا لهم ولا لدولهم، هذا بخلاف إلقائهم اللوم بمشاكل دولهم على شماعة العرب وكأنهم غير مسؤولين عما تعانيه دولهم من ضعف تنموي، فأسهل طريق أن تلقي باللوم على دول أخرى أنها لم تساعدك وهي سبب معاناتك، بينما لم تقف للحظة واحدة مع ذاتك لتعترف أنك أنت أول المقصرين بحق نفسك ودولتك وأن ما تعانيه بلادك هو نتاج عمل المجتمع الذي أنت فرد فيه وإذا تحركت دول مستقرة وناجحة في توجهاتها فتجدهم يقللون من ذلك ويتنكرون لأي مساعدة قدمتها لهم ويذهبون لاعتبار كل معاناة دولهم، بل وحياتهم الخاصة أتت من تلك الدول بل إن شعوباً بحاجة لأن تكسب تعاطف ودعم كل دول العالم لحل قضيتها تجدهم يعملون عكس ذلك بصنع العداوات دون سبب أو مبرر مع محيطهم العربي وخير مثال الشعب الفلسطيني الذي بانقساماته بدد فرصاً كبيرة لكسب تعاطف ودعم العالم لقضيته العادلة، فتجد بعضهم يهاجم دول الخليج العربي رغم أنها أكثر من قدم لهم مساعدات مادية وسياسية عبر التاريخ، فهناك حالة من التناقضات التي ينشغل بها العقل العربي لدى جل الشعوب متأثرين بايديولوجيات وأفكار سرابية لا تنفع ولا يمكنها أن تقدم مشروعاً تنموياً ناجحاً.
يمتلك العالم العربي ثروات هائلة، فاحتياطياته النفطية تمثل 41 بالمائة من الاحتياطي العالمي مع ثروات ضخمة من الغاز والمعادن وموقع جغرافي عالمي مميز وقدرة على الارتباط بكل قارات العالم وعدد سكان ضخم، فالامكانيات كبيرة لكن لا بد من أن يلتفت كل مواطن عربي لما يفيده وينمي قدراته ويبتعد عن الافكار والاهتمامات التي لا تنعكس على اقتصاده وتحسين أحواله وقدراته ومهاراته، فلن تبنى الدول وتتقدم إلا بأبنائها ورغم حالة العالم العربي الحالية وما يعانيه من تراجع تنموي إلا أن الفرصة مواتية للانتقال لعمل حقيقي، كما فعلت اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن خرجت مدمرة لكنها اليوم من أقوى اقتصادات العالم فهذا ما كان محور اهتمام شعوبها وحكوماتها وحققت النجاح المطلوب عندما ركزت على مصالحها وانشغلت بتطوير اقتصاداتها.