د. محمد بن صقر
أن تضع الحرب أوزارها في السودان ليس بالأمر الصعب، وأن ينعم السودان بالاستقرار والرفاهية وبناء السودان من جديد ليس بالأمر المستحيل هذا الأمر ممكن أن يكون عندما لا تكون الانتصارات الشخصية والمصالح الحزبية والفئوية التي تحركها أفكار أيدلوجية هي الهدف الأساسي لأطراف النزاع على حساب المصالح الشعبية السودانية.
إن القيادات السودانية المتنازعة والمتعطشة على السلطة والسعار السلطوي الحاصل والتي دفع ثمنها أجساد الشعب أصبحت لا ترى صوت العقل ولا تنظر إلى مستقبل السودان السياسي، فالسودان يعاني تمزقاً وتشرذماً سياسياً في فهمه لإدارة البلاد ومصالح شعبه، فقد قصر مفهوم الحكم وإدارة البلاد بين مفهومين وحالتين لا ثالث لهما إما العسكر أو المدنية، وكلا المفهومين قد خرجا من مفهومها المعرفي إلى المفهوم النفعي وذلك لصورة النمطية التي خلفها كل نظام تولى إدارة البلاد، فالنظام العسكري المتفرّد بالسلطة لم يعد النظام الذي يطمح إليه الشعب السوداني ولا القوى الإقليمية التي ترى فيه نظاماً استبدادي الحكم ومقوِّضاً لتطور المجتمعات، فمنذ 1956م، مرت السلطة بين حُكم عسكري وحُكم مدني. حيث كانت فترة الحكم المدني ثمانية عشر عاماً، والحكم العسكري أكثر من خمسة وأربعين عاماً وقد رُسمت في عقلية الشعب السوداني صورة أن الحكم العسكري حكم يدعو إلى تخلف المجتمع واستحلال الدم خاصة عندما يغطى بسياج ديني من قبل الذين يحاولون شرعنه هذا النظام وعلى الرغم من أن الأقطاب المتنازعة جميعها تدعو إلى إدارة مدنية في خطابها الشعبوي إلا أن السؤال هنا يكمن في: هل سيكون هناك اتفاق سياسي على مدنية الحكم؟ كالاتفاق الذي تم توقيعه بين قوى الثورة المدنية والعسكر في 17 أغسطس (آب) 2019م، ثم انقلب عليه العسكر فهذا الأمر أصبح جلياً للشعب والمحللين أنه مناورة سياسية للالتفات على السلطة من جديد, إن الفلسفة السياسية التي نجدها على الأرض من القوى العسكرية المتنازعة هي سياسة الأرض المحروقة، فمنذ اندلاع الصراع بين الجيش والدعم السريع، وبحسب إحصاءات وزارة الصحة هناك أكثر من 500 قتيل، ونحو 5000 جريح، كما خرج آلاف المدنيين من العاصمة الخرطوم نحو ولايات بعيدة عن نار الحرب، -كذلك وبحسب محللين سياسيين - نجد اليوم أن الجيش ومحركيه من قبل الحركة الإسلامية يحاول الانفراد بالسلطة وإقصاء الدعم السريع، أو محاولة دمجه بطريقة متعسفة. هذا الطرح المتجذر أيدلوجيا لدى القيادات العسكرية في السودان لن يجعل السودان دولة مدنية أو دولة مؤسسات تهتم بمصالح الشعب وبالإنسان السوداني، فالحل في ظل هذا الصراع وإن كان له آثار سيئة لبعض الوقت هو إعادة تشكيل الجيش بقيادات خارجة من أي تبعية لأي حزب أو سياسات أيدلوجية إقصائية وأن يكون الجيش قوة في يد الحكومة المنتخبة من الشعب وأنلا يكون سيفاً في خاصرة الشعب أو الحكومة وأن يتم وضع مصلحة السودان فوق كل الحسابات والتصفيات ولن يتم ذلك إلا تحت مظلة دولية وعربية تمتلك قوة ضغط من أجل بناء سودان ديمقراطي فهل يفكر أبناء السودان بهذا الأمر.