أمين شحود
حدثني عن قريب له زاره أياماً فوجده مرةً -بعد أن عاد من عمله- يتغدى ببيض مقلي، فاستغرب ذلك القريب وقال له: «أحد يتغدى ببيض مقلي؟!»، ثم بلغه أن القريب نشر الخبر متهكماً فكلما جاءت فرصة حدّث من حوله أنّ فلاناً تغدى ببيض مقلي..
قلت: وما المشكلة أن تأكل ما تشاء وتشرب ما تشاء في الوقت الذي تشاء؟!
عجيبٌ أمر البشر كيف يريدون التحكم في ذوقك ورغباتك وما تشتهيه..
ومن هو الذي وضع أصلاً معايير الأكل والشرب ومواعيدها!!
قد أتفهم أن ينصحك الناس بترك أكلاتٍ مضرة أو تقديم اقتراحات معينة إذا أتى السياق، لكن ما عدا ذلك فلا أجد مبرراً إلا حب السيطرة ونزعات «الفهمنة».
لكل شخص ظروفه.. قد يكون «جوعان» ولا وقت لديه لأكلة أخرى.. ربما يكون «مرضان» والمريض يشتهي أكلات قد لا يشتهيها وهو معافى.. قد يكون «طفران» وأسأل الله ألا يجعلنا منهم.
وليس الإنسان مضطراً لإعطاء المبررات؛ لأن التبرير يستنزف طاقته ووقته، فإذا اعتاد عليه وصل به الحال إلى تبرير قيمه ومسلماته.. وإن الرد السليم على مثل هؤلاء: ما لك دخل.
إن الذي جعل الناس يبذرون في أكلهم وشربهم هو الاستجابة لكلام الآخرين، ويكثر ذلك في رمضان والحفلات والأعراس ونحوها؛ ومعظمه ناجمٌ عن تقليد ومستفزات نفسية واجتماعية وليس احتياجاً فطرياً.
قيل لحكيم: كيف أتجنب الناس؟
قال: والله ما أدري.
قيل: كيف لا تدري وأنت حكيم؟!
قال: ليس بالضرورة أن يعرف الحكيم كل شيء، ولكني أقصد أن تكثر من عبارة «والله ما أدري» فبذلك تجتنب جدالهم وتتركهم بمعلوماتهم يتباهون بها، فإن إظهار الجهل في بعض المواقف خير من تبيان العلم.
وعلى سيرة «البيض المقلي» فإني أتردد على «بوفيه» وأطلب منه «ساندوتش أومليت» يبيعه بريالين ونصف، ثم إنّ العامل غَفَلَ ذات مرة وزلّ لسانه فقال «ساندوتش البيض المقلي» جاهز، قلت له: لا، أنا طلبت «أومليت».. فأخبرني أنّ البيض المقلي هو نفسه الأومليت، عندها زهدت بالساندوتش والبوفيه وحتى الشارع الذي يقع فيه البوفيه واستكثرت الريالين والنصف!
احمدوا الله على النعم فما تجدونه منقصة يجده غيركم رفاهية.
تناقشت وصديقي اللطيف العزيز - الذي تغدى البيض المقلي- واتفقنا على أن حال أغلب البشر الانتقاد والانتقاص وأنهم لا يدعونك في حالك ودعونا الله أن يرزقنا السلامة والعافية منهم.
وقبل أن نفترق همست في إذنه همسة محب: «وأنت كمان الله يهديك حاول ما تتغدى ببيض مقلي.. خليه مسلوق على الأقل أو سمه «أومليت» لإضفاء مزيد من البريستيج عليه».. قال بيض مقلي قال.