العقيد م. محمد بن فراج الشهري
إن دور الأسرة يعد حائط الصّد الأول في حماية أفراد الأسرة من خطر المخدرات وبداياتها، نعم دور الأسرة الأساسي يتمثل في ضمان التربية السليمة للطفل من جميع النواحي الجسمية، الفكرية، النفسية، الدينية، والسلوكية، حتى ينشأ نشأة سوية واعدة وليكون عنصراً فاعلاً في مجتمعه، فالتربية التي يمنحها الوالدان تشكل أول خط دفاعي وأول حصانة ضد الآفات الاجتماعية التي سيواجهها الطفل أو المراهق في حياته اليومية خارج البيت وما أكثرها اليوم، كما أن الأسرة من خلال حماية أفردها هي بذلك تدفع عنهم كل خطر محتمل يهدد حياتهم، سواء من التصرفات غير الاجتماعية أو غير ذلك، وحماية أفرادها من خطر تعاطي المخدرات إنما يتم للأسرة من خلال حديث الأب مع أبنائه وتبصيرهم بهذا الخطر الداهم، وجذب انتباههم لمواجهة هذه المشكلة المجتمعية الخطيرة، بإمدادهم بكل ما يستطيعه من كتب، ومراجع، ومنشورات التي تحثهم على تكوين اتجاهات سالبة نحو المخدرات والعقاقير، وفي حالة انجراف أحد الأبناء، وانحرافه للتعاطي على الأب أن يصطحب ابنه لأقرب مؤسسة أو مركز علاجي متخصص لهذه الحالات وذلك حينما يشاهد أو يلاحظ عليه أياً من السمات التي يمكنه من خلالها الحكم على هذا الابن أنه يتعاطى أي صنف من أصناف المخدرات. إن الأب والأم هما قدوة لأبنائهم حتى ولو لم يفعلوا ذلك عمداً فمن خلال تحلي الأب والأم بالخلق والتدين السليم، وليس المتشدد القاسي فإنهما يحفظان أبنائهما من السلوك المنحرف، ومن تعاطي المخدرات، وامتناع الآباء عن تعاطي الخمور والمخدرات هو عامل أساسي في وقاية أبنائهم، ويجب أن يدرك الآباء، والأمهات أنه كلما اقترب الأبناء من سن الاستقلال أصبح ضغط الأصدقاء عليهم أقوى، وازداد تأثيرهم على المفسدات، والسلوك، واللباس، وتلك الضغوط قد تشجع أو تنهي عن تعاطي المخدرات، إن قبول الأبناء لآبائهم واحترامهم لهم وعدم وجود أي انحرافات في نموذج الآباء يؤدي دون شك إلى تأثر الأبناء بشخصية الآباء، وإلى ثبات معتقداتهم وقدراتهم إذا تم الضغط عليهم للتعاطي... كما أن من واجب الآباء والأمهات تعليم الأبناء مخاطر الخمور، والمخدرات، وتعليمهم مبادئ الصحة السليمة، وحسن تأديبهم، وتعريفهم بحرمة هذه المخدرات، وكوارثها، ووضع الحدود لهم، وعدم السماح إذا تجاوزها، ومساعدة الأسرة لأبنائهم على اكتساب المهارات التي ترفع من قدراتهم المعرفية، وترفع من ثقتهم في أنفسهم، واعتزازهم بوطنهم،قيمهم، وما نهاهم عنه دينهم قبل كل شيء، فإذا لم يضع الأب اللبنة الأولى للوقاية من التعاطي،فإن إمكانية إقدامهم على التجربة قائمة، وإن لم يتلقوا المعلومات من الآباء بشكل صحيح فسيتلقونها وبشكل خاطئ من الأصدقاء، والمنحرفين، وأحياناً تعاطي المخدرات للمراهق قد يكون أكثر من مجرد تجربة، وكمثال على ذلك: فالإنسان الخجول، والذي يرى نفسه غير جميل، سيكون أكثر ثقة تحت تأثير المخدرات، وأكثر قبولاً عند زملائه، إذ إن ضغوط أصدقاء السوء قد تدفع البعض إلى التعاطي، حتى يكون مقبولاً منهم، أو حتى يصبح رجلاً مثلهم.. لذلك لابد من تدريب الأبناء على المواجهة وكيف يتعامل النشء مع هذه المتغيرات والدوافع، إنهم يعتمدون اعتماداً أساسياً على حجم ما نالوه من آبائهم من الحب، والتوجيه، والفهم، والدّعم، إن ذلك كله يجعل رحلتهم خلال فترة المراهقة مرحلة هادئة مستقرة ناضجة بدون تجربة المخدرات.. ومن المهم إعطائهم المعلومات الدقيقة عن مصائب المخدرات وبلائها، ويجب هنا الإلمام بقاعدة معلومات سليمة عامة عن المخدرات تكفي للرد على تساؤلاتهم، وذلك لأن تجار المخدرات يروجون لها بأساليب جهنمية، وأنها تعطي السرور والرجولة، والجنس، والقوة، ويقولون بسهولة العلاج منها، وعدم ضرر كميات صغيرة بسيطة منها حتى يقع الفأس في الرأس، وذلك يحتاج منَّا إلى الرد السليم على هذه الايحاءات اللينة والمغرضة، وأهم ركن من أركان الوقاية في نظري هو وجود قنوات الاتصال مع الأبناء وذلك من خلال حديث في كل مشكلاتهم، حتى إذا كانت ممارساتهم لحياتهم أثناء المراهقة طبيعية ومن خلال وظيفة المراقبة، والضبط الاجتماعي.. يمكن للأسرة أن تربي في أبنائها مخافة الله عز وجل، وحينما تكون المراقبة الذاتية هي عنوان الفرد في كل مكان وفي سائر سلوكه وتصرفاته، فإنه سيتم تنمية الصلة مع الله بالله تعالى، والأسرة حينما تحرص على ذلك فهي تقوي الصلة بين الابن وربه، ويكون بذلك لدى الابن سياج منيع وحصن شامخ يردعه عن تعاطي المخدرات خاصة إذا وجد الأبناء القدوة الصالحة في والديهم فستكون النتائج باهرة وعظيمة.. لكن تشتت الأسر وانحراف روادها دون أدنى شك سيجلب المصائب تلو المصائب على الأسرة نفسها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه وأيضاً استنزاف جهود البلد وضياع الأمن الاجتماعي... ويجب أن نعلم أننا محاربون، ومستهدفون في هذا البلد لكونه يمثل قبلة الإسلام والمسلمين ولأنه ينعم بخيرات وفيرة، وحكمة راشدة، وأمن شامل، والأعداء لم يجدوا وسيلة لتعكير صفوه إلا بهذه الآفة المهلكة والمميتة التي تأكل خيرات ونمو أي بلد.. وهذه الأيام يشهد الوطن حملة مركزة وشاملة لطمس جذور هذا الوباء.. ويجب علينا جميعاً الوقوف صفاً واحداً مع رجال المكافحة، ويقوم كل منا بواجبه، وندعو لهم بالتوفيق والسداد والفلاح في حماية أبنائنا من هذه الآفة قواهم الله ونصرهم نصرًا عزيزًا مؤزرًا على كل من يستهدف هذا البلد بأي شر..