فضل بن سعد البوعينين
تعدُّ المخدرات إحدى أهم القضايا الأمنية في المملكة، فحجم المخدرات المضبوطة؛ ونوعيتها والمنخرطون فيها، إضافة إلى قيمتها السوقية تؤكد على استهداف المملكة من الخارج، والسعي لزعزعة أمنها واستقرارها من خلال ضرب المجتمع من الداخل. فالمخدرات لا تعدو أن تكون وسيلة من وسائل زعزعة الأمن الداخلي والإضرار بالمجتمع، ومكوناته، والاقتصاد الوطني.
تحول المخدرات إلى سلاح في يد العدو، يجعل من عمليات مواجهته والتعامل مع المهربين والمروجين أكثر تعقيداً، وصعوبة. التقاء مصالح المهربين والمروجين؛ بمصالح الدول المارقة التي تستخدم المخدرات كسلاح تدميري للمجتمع، يسهم في خلق سوق كبرى للمخدرات، من خلال التسويق النوعي، وجهود العصابات المنظمة في حمل الأطفال والمراهقين على الإدمان، لضمان استمرارية الطلب، واتساع شريحة المتعاطين واستدامة سوق المخدرات ما يسمح بضخ كميات كبيرة منها، وإحداث مزيد من التدمير للمجتمع. ومن اللافت تنوع المخدرات، وتركيز مروجيها على أصناف كيميائية جديدة تتسبب في أضرار عميقة للمتعاطين، وتحملهم على الإدمان السريع، إضافة إلى ما تلحقه من أضرار مباشرة لعقول المتعاطين، فتجعلهم أكثر عدائية، واستباحة لأرواح أفراد المجتمع وأعراضهم.
تتحرك المملكة في حربها على المخدرات، على ثلاثة محاور رئيسة، المحور الأمني الذي أثبت فاعلية كبيرة في حماية المملكة من تدفقات مهولة من المخدرات بأنواعها المختلفة، خاصة بعد إطلاق الحملة الوطنية لمكافحة المخدرات وما حققته من نتائج مهمة خلال فترة زمنية قصيرة.
والمحور الوقائي الذي لا تقل أهميته عن الجهود الأمنية. فتحصين المجتمع يمكن أن يسهم بشكل كبير في عزوف أفراده عن المخدرات، وبالتالي التأثير على حجم الطلب المحلي ما يؤدي إلى خفض تدفقها لأسباب تسويقية صرفة. والمحور العلاجي الذي بات أكثر أهمية، خاصة بعد النتائج الإيجابية التي حققتها حملات المكافحة الأمنية، والتبليغ عن المتعاطين، ومبادرة ذويهم بطلب علاجهم من الإدمان.
لا يمكن الفصل بين عمليات المكافحة الأمنية؛ وبرامج الوقاية والعلاج من المخدرات؛ وهو أمر تنبهت له وزارة الداخلية في وقت مبكرة؛ وتعاملت معه باحترافية علمية وعملية. اهتمت المديرية العامة لمكافحة المخدرات؛ خلال الأعوام الماضية بالجانبين الوقائي والعلاجي؛ وكان لهما أكبر الأثر في حماية المجتمع.
ولعلي أشير إلى برنامج «نبراس» الذي يحتوي جميع البرامج الوقائية والاستشارية والعلاجية والتأهيلية ذات العلاقة بآفة المخدرات. قد يكون للجوانب التثقيفية أثر كبير في حماية المجتمع، إلا أن الجهود العلاجية والتأهيلية باتت أكثر طلباً وإلحاحاً مع ضعف المصحات العلاجية وندرتها.
تعتبر مساهمة القطاع الخاص في مواجهة المخاطر المجتمعية والأمنية والمشاركة في برامج علاج المدمنين، وحماية الأسر منهم، مسؤولية وطنية، وركناً من أركان المسؤولية المجتمعية التي يفترض أن يلتزم بها القطاع الخاص، والشركات الكبرى العاملة بالمملكة.
التوسع في بناء مراكز العلاج من الإدمان، في جميع مناطق المملكة سيسهم دون شك في تعزيز مخرجات الحرب على المخدرات، والتعامل الأمثل مع المدمنين ومساعدتهم على الإقلاع عن المخدرات، ورفع كفاءة وكفاية منظومة العلاج والتأهيل. رغم الإنفاق الحكومي التوسعي على القطاع الصحي إلا أن جودة المصحات العلاجية والتأهيلية؛ إضافة إلى عددها الذي لا يتناسب مع حاجة المجتمع والطلب المتزايد على العلاج.
أرجو أن تكون لدينا خطة عمل إستراتيجية لإنشاء مراكز علاج المدمنين وتأهيلهم ونشرها في جميع مدن المملكة وفق مبدأ الاحتياج الحقيقي لكل مدينة على حدة، وأن يتبنى القطاع الخاص تنفيذ المشروعات المحددة سلفاً من خلال شراكة نوعية مع وزارة الداخلية. خلق مشروع وطني لإنشاء مراكز علاج الإدمان، وإنشاء صندوق لتمويل عمليات تنفيذ المراكز العلاجية تتم تغذيته من قبل القطاع الخاص من الحلول الناجعة التي يمكن للحكومة تبنيها وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة فيها خدمة للمجتمع، وحماية لمكوناته البشرية. إضافة إلى ذلك يمكن للمستشفيات الخاصة المشاركة في الحملة الوطنية على المخدرات من خلال توفير أقسام لعلاج المدمنين، كجزء من مسؤولياتهم المجتمعية. خصم تكاليف العلاج الحقيقية من مجمل الضرائب المترتبة على المستشفيات الخاصة قد تكون من أدوات التقاص المحفزة على إنجاح فكرة علاج المدمنين.
ننتظر من شركات القطاع الخاص؛ وفي مقدمها أرامكو، المصارف، قطاع البتروكيماويات، والتأمين، وغيرها المساهمة الفاعلة في البرامج الوطنية، وطرح مبادرات نوعية لإنشاء مصحات علاج وتأهيل مدمني المخدرات في جميع مناطق المملكة.