عبده الأسمري
من عمق الضبط تتجلى آفاق الانضباط ومن اليقين يتحقق التمكين بعد أيام من حملة الحرب على المخدرات شاهدنا حجم «المضبوطات» المتزايد ومعدل «المهربين» المرتفع.. وظلت أنباء القبض تتوارد من الاتجاهات الأربعة للوطن مما يعكس أن تهريب المخدرات لم يكن عملية فردية أو للبحث عن المال أو تحقيق أهداف الجشع وإنما كانت وراءه عمليات عصابات منظمة تستهدف منظومة «الوطن» وتسعى إلى هدم النسيج الاجتماعي وتهدف إلى تدمير العقل البشري.
الحملات المنظمة التي قادتها الجهات الأمنية وبتوجيه تاريخي وحسم قيادي من سمو ولي العهد جاءت لتضع الإجراءات الحاسمة نحو المهربين والمروجين والمتعاطين فارضة «الرقابة « بكل تفاصيلها على المخدرات بكل مستوياتها وانواعها واضعة «المهابة» عنوان أول للكثير من التفاصيل التي كانت في وقت سابق خارج إطارات «العقوبة» العاجلة و»المعاقبة» السريعة.
هذه الحرب الوطنية التي انطلقت تنتظر وضع خطوط «عريضة» للتداعيات المرتبطة بالنتائج ومن المهم أن يوازيها تخطيط استراتيجي يتضمن العديد من الأهداف ويقتضي تضافر الجهود كلها ابتداء من الأسرة ومروراً بجهات التعليم بكل قطاعاتها وانتهاء بالرقابة والمراقبة من كل الجهات مع ضرورة ان يكون هنالك لجان مشكلة وفق الاختصاصات من القطاع الأمني ومكافحة المخدرات والجامعات والتعليم والشؤون الإسلامية والجمارك وحرس الحدود والنيابة العامة وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات والمطارات وامارات المناطق وشيوخ القبائل والهيئة العامة للعقار وعمد الأحياء وأن تكون هنالك أهداف معينة لكل لجنة مرتبطة بوقت زمني وتوصيات ترفع إلى أصحاب القرار.
وفق تحليل سيكولوجي ودراسة اجتماعية دقيقة فان هنالك ثغرات كانت خلف وجود المخدرات وتواجد من يتعاطاها تتمثل في الاعتماد على العقوبات المخففة أو الكفالات الحضورية إضافة إلى تزايد محلات بيع المعسلات التي ارتفعت بشكل مهول حتى داخل الأحياء والتي تحتاج إلى فرض رقابة وحملات مداهمة لا تستثني أحد إضافة إلى ارتفاع أعداد مطاعم «اللاونج» التي تقدم أصناف نكهات تدخين الشيشة مع قوائم الطعام وقد تكون «غطاء» على الكثير من الممنوعات مع وجود ثغرة هامة جداً وهي الجهل العميق بالانفتاح والتي يرى فيه بعض الشباب ممارسة المشاجرات ومخالفة الذوق العام في الملابس واتباع موجة التغريب في الشكل العام ويرى أن إكماله في تعاطي المخدر ناهيك عما تبثه الدراما الأجنبية على القنوات من مفاسد تقتضي شرب المخدرات على الملأ والمفاخرة بها ويشاهدها الصغير قبل الكبير وإظهار مروج المخدرات بأنه شخص ذكي وثري ولديه المال والرجال في تخطيط مؤدلج للتشجيع على التعاطي والترويج.
انتشر الشبو وقبلها «الشمة» وباتت بضاعة جائلة في أيدي الطلاب وظلت بقاياها في الاكياس منظر مؤلم في مواقف المدارس وكانت «ثغرات» وجد فيها الطلبة مجالاً لاكتشاف تلك المواد والوقوع في مصائد المروجين ومكائد المهربين وظلت صلاحيات «المعلمين» في دوائر من العقاب فيما لو استخدموا «السلطة» الموقوفة مما جعل «التمادي» عنوانا جعل «المعلم» خائف و»التلميذ» مطمئن.
ثمة ثغرات تتعلق ايضاَ بانتشار الاستراحات والشاليهات التي كانت في العامين الأخيرين خارج حسابات التفتيش أو المداهمات وتؤجر دون ضوابط وبلا أنظمة ويدخلها ويرتادها الكثير وباتت مرتعا للرقص والاختلاط والذي يقترن بشرب الخمر وتدخين الحشيش وأصبحت المأمن الأسبوعي لتعاطي المخدر والاجتماع على المفاسد.
ومن الثغرات التي تحتاج إلى التفاتة عاجلة المساكن القديمة والدكاكين العتيقة المؤجرة في الاحياء الشعبية بدون أوراق رسمية أو على أوراق بيضاء من قبل بعض مكاتب العقار والسماسرة والتي ظلت مسارح لبيع الشمة والشبو والمخدرات على الصبية والعمالة والمخالفين وسط غفلة «بائسة « من الجيران وسكان وعابري المكان.
الكل يرى أثناء تجواله «أكياس» الشمة وحتى الإبر التي تستخدم في حقن المخدر في بعض الشوارع في ظل الأمن من العقوبة الذي جعل بقايا «الجريمة» على ناصية «الطرقات».
اعتمد عدد من المهربين والمروجين على توقف حملات «المداهمة» على المخالفين وعلى الأسواق الشعبية وانخفاض معدل التفتيش في الطرقات وفي الاحياء والطرق السريعة واستغلال تجار المخدرات على تفتيش سريع ونادر اثناء «تعميم» على مجرم أو متابعة لقضية جنائية الأمر الذي لا يتجاوز طلب الهوية الوطنية واستمارة المركبة مما جعلهم يتمادون ويأمنون في تنفيذ مآربهم السيئة ومفاسدهم المتواصلة.
ومن الثغور التي رفعت من معدلات التهريب اعتماد المهربين على محلات ايجار السيارات التي تؤجر على من يدفع المال دون أن يكون هنالك متابعة أو تعاون أو وجود فرق أمنية تتابع وتراقب تلك المواقع وأيضا استخدام المهرب لأشخاص ومتعاطين لاستئجار سيارات بأسمائهم ليستخدمها في التهريب للبعد عن «الشبهة» في ظل تراجع معدلات الرقابة والضبط.
هنالك ثغرات للتعاطي وثغور للترويج أرى أن تتم دراستها حتى يتم الوصول إلى «اوكار» التهريب و»مواقع» التعاطي مع ضرورة وضع دراسات ميدانية مدعمة بالبحوث من قبل الجهات المتخصصة وتوفير «غرف» عمليات مشتركة على مدار الساعة بين كل الجهات وتغيير في «التكتيك» الميداني الخاص بحملات المداهمات وطرائق التفتيش فالمهربين يمعنون في التخطيط للنجاة من قبضة «الضبط» والمتعاطين يبحثون عن «مخارج» جديدة وطرق احترافية للاستمرار والتجار والسماسرة يوصلون الليل بالنهار لتمرير بضائعهم والخروج بأقل الخسائر أو التسريع بترويج المواد المخدرة قبل عمليات الضبط.
ومن الضروري سد تلك الثغرات ومراقبة تلك الثغور بتعاون رسمي وأمني ووطني واحترافي واجتماعي وأن تطال سلطة «العقوبة» الجميع ما بين مروج ومتعاط ومتهاون وساكت عن الحق وصامت أمام الجريمة.