سهوب بغدادي
«ذلك القلب الحساس صاحب المشاعر المرهفة»، غالبًا ما ترتبط هذه الأوصاف بأهل الفن بمختلف أنواعه كالممثل والمغني والملحن والعازف والشاعر والرسام، وما إلى ذلك، حيث يشغل الحس كيان الفنان الشفاف، فعلى الأغلب وليست قاعدة أن الشخص المرهف الشفاف يحمل بداخله جانباً فنياً -والله أعلم- ويطول الحديث في هذا السياق، باعتبار أنني مرهفة ولست «حساسة» لأني لا أحب هذا التعبير الذي يساء استخدامه من قبل النرجسيين والمتسلطين عندما يسيئون لك من ثم يحاولون استدراك ما حصل بقول «أنت حساس ترا ما أقصد».
بالعودة إلى الموضوع، يرى الكثير من الناس أن الفن لا يؤكل عيشاً، وهذا ما جرت عليه العادة، فبحسب فنانة مختصة في فن «الراب» تدعى «لافتا» كاسم شهرة واسمها الحقيقي نرجس مسقط رأسها بريطانيا وأصولها لبنانية أنها تعمل في مجال الإذاعة والراديو كعمل أساس للإيفاء بمتطلبات الحياة وتكاليفها، وتصنع فنها في الأوقات الأخرى، كذلك مديرة أعمالها نادية خان، التي أكدت أن المجال لا يسع المرأة في الخارج، إذ قدرت نسبة مدراء أعمال الفنانين من العنصر النسائي في كل من بريطانيا والولايات المتحدة بما يوازي 3 % فقط، وذلك ينم على هيمنة كبيرة من العنصر الرجالي في المجال وتصور مسبق عن دور المرأة ولن نخوض في هذا الإطار، فالأمر متشعب وقديم ويحتمل الجدال، كما تعد مغنية الراب «لافتا» مغنية الراب الوحيدة ذات الأصول اللبنانية على صعيد بريطانيا، بغض النظر عن ماهية الفن وارتباطاته الثقافية والتاريخية، فنحن الآن في عصر محمل بالإمكانيات والتسهيلات وكل شيء متاح بكبسة زر، وكان من أبرز النقاط التي ذكرتها كل من المغنية ومديرة أعمالها وأرى أنها مفيدة في إطارات الحياة اليومية بالنسبة للفرد كالتالي: يجب أن يتحلى الشخص بالإصرار والعزيمة لأن الفرص غير متساوية بالنسبة للرجل والمرأة خاصة في مجال صناعة الموسيقى.
فعلًا إن الإصرار لازم في أمور الحياة، كما أشارت إلى التواضع أحد أهم سمات الفنان، وعدم الاغترار بالنفس، لأن عصر السوشال ميديا قد يسحب البساط من تحت رجليك في لمح البصر، فيما تعد شبكة العلاقات العامة ودائرة الشخص من أهم أسباب حصوله على عمل وبقائه على الساحة، كما تعد العلاقة بين الفنان ومدير أعماله كأي علاقة بين شخصين تحوي علامات وإشارات حمراء وتتطلب الوقوف عليها وحسن الاختيار والتوافق والتصرف.
من جانب آخر متصل، تعد السوشال ميديا سلاحاً ذا حدين وعلى الأغلب إنها سلاح شرير بسبب سرعة انتشار المحتويات التي قد تؤثر على حياة الشخص في يوم وليلة ومن ثم يدخل في دوامة الشهرة وتداعياتها عليه وعلى محيطه ودائرته المقربة، كذلك هوس الصعود للترند لكيلا يفقد ما حصل عليه من الزخم الإعلامي، وهذا الأمر يبرر مشاهد التهريج والمهرجين والباعة المتسولين للمحتوى الرث الرديء، في هذا الخضم، أجد أن الساحة الفنية في المملكة العربية السعودية خصبة سواء للرجل أم المرأة على حد سواء، خاصة وأننا نعمل على إرساء معالم البنى التحتية للفن والفنانين باختلاف مجالاتهم، وهنا أكبر دور وزارة الثقافة وكافة الهيئات المنوطة بها على جهودهم المبذولة لترسيخ فكرة أن الفن جزء طبيعي من أجزاء الحياة.
قيل «الفن هو الطريقة الوحيدة للهرب دون مغادرة المنزل» إذن، لنهرب جميعًا.