د. تنيضب الفايدي
إذا ذكرت كلمة الجمال فإن الفكر يتجه إلى مواصفات كاملة لمن تنطبق عليه هذه الكلمة، سواء كان في المظاهر المادية مثل جمال الكون وما يحويه من جبال وأنهار ونباتات، أو جمال الإنسان ولاسيما المرأة أو الحيوان وخاصة الخيول وغيرها، فالجمال سمة واضحة في الصنعة الإلهية، فإذا رأيت إلى صنع الله تجد ما يجذبك بلونه أو بصوته أو بمظاهره الجميلة، وقد عدّ الله سبحانه وتعالى ذلك الجمال من آياته، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، أما ميادين الجمال ومجالاته فهي كثيرة لا مجال لذكرها هنا، وقد وصف العرب جمال المرأة والأطلال ضمن مشاعر عاطفية خلدها الشعر والأدب من العهد الجاهلي ولاسيما في شعر المعلقات، وكذلك العصر الإسلامي، لذا فإن بحث الجمال بحث واسع لايمكن تحقيقه في هذه المقدمة، فإلى القارئ تعريف عام للجمال حيث عرفه الإمام الغزالي رحمه الله: «حسن كلّ شيء في كماله الذي يليق به» إحياء علوم الدين 4/ 299.
وقد قسّم ابن القيم رحمه الله الجمال إلى قسمين: ظاهر وباطن، فالجمال الظاهر هو زينة خص الله بها بعض الصور عن بعض كجمال الطبيعة في سمائها وأرضها وشمسها وقمرها وبرّها وبحرها، أما الجمال الباطن فهو جمال العلم والعقل والأقوال والأفعال. مدارج السالكين لابن القيم (1/ 230)، وقال ابن سيده: الجمال: الحسن يكون في الفعل والخَلْق، وقال ابن الأثير: «الجمال يقع على الصور والمعاني، ومنه الحديث (إن الله جميل يحب الجمال)؛ أي: حسَن الأفعال كامل الأوصاف». وقد ذكر أبو هلال العسكري الفروق بين الحسن والجمال في كتابه «الفروق في اللغة» حيث يقول: «والحسن في الأصل للصورة، ثم استعمل في الأفعال والأخلاق، والجمال في الأصل للأفعال والأخلاق والأحوال الظاهرة ثم استعمل في الصور».
وهناك الكثير من الألفاظ استعملها القرآن الكريم للتعبير عن الجمال، ومن ذلك: الحسن، والبهجة، والنظرة، والزينة، كما استعمل ألفاظًا أخرى للتعبير عن آثار الجمال منها: السرور والعجب ولذة الأعين، قال تعالى: ِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ، فالسرور أثر من آثار رؤية الجمال، وقال تعالى في صدد الحديث عن الجنة: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ، فلذة العين أثر من آثار رؤية الجمال.
وشاع أكثر ما شاع من الجمال جمال المرأة، وكم قيل في ذلك الجمال من شعر في اللغة العربية منذ نشأتها، وقد تناول جميع الشعراء هذا الجمال، علماً بأنه يسبب التسهيد والتعذيب على قول الشاعر المعجز أبي الطيب المتنبي:
مَنْ الجآذر في زي الأعاريب
حمر الحلى والمطايا والجلابيب
إن كنت تسأل شكّا في معارفها
فمن بلاك بتسهيد وتعذيب
أزورهم وسواد الليل يشفع لي
وأنثني وبياض الصبح يغري بي
ما أوجه الحضر المستحسنات به
كأوجه البدويات الرعابيب
حسنُ الحضارة مجلوبٌ بتطرية
وفي البداوة حسن غير مجلوب
ولكن لماذا ذكر الجمال في هذه المقدمة؟ لقد شاع بين الناس عبارات أو كلمات مشهورة مثل (ثلاث يذهبن الحزن، الخضرة والماء والوجه الحسن) هذه الثلاث مجتمعة تتوفر في منطقة عسير ولاسيما أبها، ويضاف إلى تلك الكلمات (الخلق الحسن) وهو ما يتصف به أهل هذه المنطقة، وقد تكررت زيارة الكاتب إلى أبها، وكلما انتهت الزيارة تمنى أن يعيدها، وفي إحدى الزيارات تم اجتماع خاص بالتربويين في أبها وكان الكاتب يقول لزملائه: إن هذا الموقع ويقصد به أبها وما يحيط بها يدعو إلى اتخاذه مقراً للتربية الجمالية مثل كليات الفنون وغيرها، والتركيز على الرحلات الطلابية إلى الجبال التي اكتست باللون الأخضر والأودية السحيقة والهواء المنعش وكلها تمثل لوحة فنية جميلة وفي أحسن صفة خلقها الله تعالى في الكون الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ .. إن هذا الجمال من صنع الله صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ سورة النمل الآية (88)... لقد حوت منطقة عسير الجمال فهلمّوا نحبّه بحبّ (أبها) التي وصفها أحدهم بأنها (قطعة من الجنان):
دعاني نحو أبها ما دعاني
فليس لغيرها في القلب ثاني
بلاد كل ما فيها جميل
لها سحر ولا سحر الحسانِ
ومن كانت إقامته بأبها
فقد رزق الإقامة في الجنانِ
وقد تكون الإقامة في أبها أو ما يحيط بها من مواقع ساحرة مثل القرعاء، باحة ربيعة، جبل السودة وغيرها، كلّها تحقق ما ذكر في نهاية الأبيات السابقة، وأبها مركز منطقة عسير وموقع منطقة عسير جنوب غربي المملكة العربية السعودية، ويحدها من الشمال منطقة مكة المكرمة ومنطقة الباحة، ومن الجنوب منطقة نجران ومنطقة جازان وجزء من الحدود الدولية بين المملكة العربية السعودية واليمن، ومن الشرق منطقة الرياض ومنطقة نجران، ومن الغرب منطقة مكة المكرمة ومنطقة جازان والبحر الأحمر، وتأتي مدينة أبها على رأس مدن المنطقة في الوقت الحاضر من حيث نموها وازدهارها، ويتبعها عدد من المحافظات تشمل: خميس مشيط، وبيشة، والنماص، ومحايل، وسراة عبيدة، وتثليث، ورجال ألمع، وأحد رفيدة، وظهران الجنوب ، وبلقرن، والمجاردة، وكلّ محافظات عسير مواطن للجمال مثل أبها وأهدي إلى أهلها..
أيها الرائح المجدّ تحمَّل
حاجةً للمتيم المشتاق
أقْرِ عني السلام أحباب قلبي
فبلاغُ السلام بعض التلاقي