خالد بن حمد المالك
ما تمّ في جدة من اتفاق بين الجيش السوداني والدعم السريع شيء جيد، لكنه غير كافٍ بالمطلق، وإنما يهيئ لما هو أفضل إذا ما أُحسنت النوايا، وكان هناك عزم وحزم على إنهاء هذا القتال الدامي بين السودانيين، وهو إن لم يتحقق فإن الحرب الأهلية مرشحة لأن تكون من بين إفرازاتها أن تقسيم السودان سيكون حاضراً في أي لحظة.
* *
جهود المملكة مشكورة ومقدرة إذ جمعت الخصوم, ودفعت باتجاه التحضير للهدنة التي تقود لاحقاً إلى المصالحة، والاحتكام إلى الحوار بدلاً من السلاح، فقد أظهرت المباحثات مؤشرات تعيد للسودان أمنه واستقراره، والانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي الذي ينشده ويتطلع إليه الأشقاء السودانيون، بعد سنوات من المعاناة والحكم الدكتاتوري الذي امتد إلى ثلاثة عقود.
* *
لقد انفصل جنوب السودان ليكون دولة مستقلة بسبب الخلافات، وسوء الحكم، والسودان الآن على شفا انفصال أجزاء منه على غرار ما حدث في الجنوب، إذا ما استمر القتال بين القوتين العسكريتين، وتداخلت الأحزاب مع هذا الطرف أو ذاك، دعماً على أساس القبلية والمنطقة، وكان التدخل الأجنبي حاضراً لتحقيق مصالحه وعندئذٍ لن يكون سهلاً إيقاف الحرب متى ما توسعت على هذا النحو.
* *
والمطلوب من المتحاربين أكثر من الاتفاق على هدنة لفتح ممرات آمنة لتمرير المساعدات الإنسانية، وأكثر من فرصة لإجلاء المدنيين من مواقع القتال، والجيش والدعم السريع عليهما مسؤولية كبيرة في وقف هذه الحرب العبثية، وإنهاء الخلافات فوراً، وعلى كل من كان سبباً فيها أن يتنحى من موقعه لصالح من يقود السودان إلى ما هو أفضل.
* *
السودان غنيٌّ بثرواته، لكنه لم يستثمرها ولو بحدها الأدنى، ولو فعل ذلك لكانت البلاد من أغنى الدول، وأقدرها على تقديم نفسها بوصفها دولة متطورة اقتصادياً وصناعياً وزراعياً، لكن الانقلابات العسكرية المتكررة، والصراعات الأيدولوجية بين السودانيين، والانجراف نحو تيارات أجنبية خادعة تريد الإضرار بالسودان وتقسيمه إلى دول، كلها همشت السودان، وجعلت شعبه في حالة فقر ووضع اقتصادي موجع.
* *
يقدر للمملكة الاهتمام بالسودان أرضاً وشعباً، فقد سارعت منذ بدء الحرب إلى نقل المدنيين من كل الدول من أتون الحرب، وبذلت جهدها في إقناع طرفي الحرب للحوار بالمملكة، بوصفها طرفاً محايداً، ولها القبول لدى السودانيين، فكانت الاستجابة، وكان الوصول إلى ما وصلوا إليه من اتفاق في جدة، لكن المهم أن يتم التطبيق، وأن يكون هناك تنازلات من الطرفين من أجل وضع حدٍّ لهذا الصراع الدامي.
* *
وفي اعتقادي أن المملكة سوف تواصل هذا الجهد، وتتوسع فيه، وتبذل كل جهدها، وما تملكه من أدوات للانتقال إلى مرحلة جديدة تختفي فيها آلة الحرب، وتكون الأجواء مهيأة لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في دولة يحكمها القانون، وتتسيدها مناخات السلام والاستقرار والتوجّه نحو البناء، واستثمار الإمكانات الهائلة التي تختزنها الأراضي السودانية لصالح الشعب السوداني الشقيق.