د.سالم الكتبي
لن تكون الجولة الانتخابية المقبلة التي سيواجه فيها الرئيس رجب طيب أردوغان منافسه كمال كيليجدار أوغلو، المرشح الذي تصطف خلفه جميع أحزاب المعارضة التركية، لن تكون انتخابات مثل سابقاتها، بل تمثل تحدياً غير مسبوق للرئيس التركي، الذي يواجه اختباراً سياسياً داخلياً صعباً للغاية.
نجح الرئيس أردوغان في تجاوز الكثير من الآثار التي خلفّها زلزال فبراير الماضي، سواء بإعلان تحمل المسؤولية وبدء المحاسبة ومعالجة الأسباب التي تسببت في كارثة انهيار كم هائل من المباني، أو بإحداث تغييرات جذرية في السياسة الخارجية لتبريد الأزمات التي تتداخل فيها تركيا بشكل مباشر وغير مباشر، حيث شهدت علاقات تركيا مع دول الإقليم تغيرات إيجابية ملحوظة في الأشهر الأخيرة، أبرزها فتح قنوات اتصال مع سوريا، وقد أسهمت هذه التحولات في تفويت الفرصة على الكثير من دعاوى المعارضة التركية، والحد من تأثيرها في توجهات الناخبين الأتراك.
ورغم سرعة تحركات أردوغان في احتواء تداعيات الزلزالين الكبيرين، فإن المعارضة لا تزال تمتلك فرصاً كبيرة للغاية لتحقيق انتصار سياسي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، لاسيما أنه في الوقت الذي تخوض فيه المعارضة هذه الانتخابات بمرشح رئاسي واحد، فإن حزب «العدالة والتنمية» يعاني آثار الانقسامات والانشقاقات التي شهدها طيلة الأعوام الماضية، فضلاً عن أن المعارضة تراهن على أصوات الناخبين الشباب، الذين يطالبون بحرية التعبير وإعادة الديمقراطية في تركيا إلى مسارها، وحيث ستشهد الانتخابات المقبلة تصويت حوالي خمسة ملايين ناخب جديد انضموا إلى قوائم الانتخابات في السنوات الأخيرة.
أردوغان لا يزال يمتلك شعبية كبيرة بين المحافظين الأتراك، الذين يمثلون قاعدته الانتخابية الأساسية، وبين الأمرين تظهر استطلاعات الرأي تفوق أوغلو بفارق ضئيل يتيح له الفوز بسباق الرئاسة أو على الأقل خوض جولة إعادة بعد أسبوعين من الموعد الأساسي للانتخابات، بينما تشير تلك الاستطلاعات إلى تفوق التحالف الذي يقوده «العدالة والتنمية» في الانتخابات البرلمانية، وهذا ما يعني أن المشهد السياسي قد لا يتغير بشكل كامل حتى في حال خسارة أردوغان للسباق، حيث سيكون هناك رئيس جديد مع برلمان بغالبية سياسية مغايرة، ولكن هذا أيضاً لا يقلل من قيمة أي تغيير محتمل لأن التغييرات الدستورية التي وضعها أردوغان قد منحت الرئيس صلاحيات نوعية كبيرة.
في جميع الأحوال، تبدو الانتخابات المقبلة مثيرة للغاية لأن أردوغان الذي فاز في كل تحدياته الانتخابية السابقة يواجه هذه المرة شبح الخسارة، حيث يبقى موقفه مرهوناً بتصويت ملايين الناخبين من المترددين وفئة الشباب، التي تطمح إلى معالجة الإشكاليات التي يواجهها الاقتصاد التركي وفتح المجال العام أمام حرية التعبير والرأي وغير ذلك من القضايا التي توظفها المعارضة دعائياً بشكل جيد في السباق الانتخابي.
في كل الأحوال تبدو انتخابات تركيا موضع اهتمام بالغ على الصعيدين الإقليمي والدولي، فتركيا رقم صعب في جميع الأحوال بغض النظر عمن سيتولى الحكم في هذا البلد، فعلى سبيل المثال، نجد أن زعيم المعارضة والمرشح الرئاسي كمال كليجيدار أوغلو قد توعد بأن تكون العلاقات مع الغرب أولوية لبلاده بدلاً من روسيا، ولكن الواقع يقول إن التزام تركيا بالتوجهات الأطلسية بشكل تام، ولاسيما فيما يتعلق بالصدام مع روسيا لا يتماشى مع مصالح أنقرة الإستراتيجية، وأن بناء التوازن الصعب سيبقى يفرض نفسه في كل الأحوال. لذلك فإن كل من طرفي الأزمة الأوكرانية، روسيا والغرب، يراقبان باهتمام انتخابات 14 مايو في تركيا، فموسكو تشعر بالقلق من حدوث تغيير في مواقف تركيا وسياساتها خشية أن تميل الأخيرة للغرب متخلية عن سياسات أردوغان، فيما يأمل الغرب في طي صفحة الرئيس التركي الحالي وإنهاء إرثه السياسي وعودة تركيا للمواقف والسياسات القديمة حيث كانت عضواً فاعلاً في حلف الأطلسي.
عربياً وشرق أوسطياً، فإن هناك دولاً ترغب في إنهاء حقبة أردوغان، وأخرى تتمنى استمرارها، وكل له حساباته ومصالحها الإستراتيجية، وفي حال هزيمة أردوغان انتخابياً، فإن هناك تغيرات نوعية متوقعة كثيرة ستحدث حتماً، ويبقى من الصعب القطع بحدود هذه التغييرات وطبيعتها، وبأن تركيا ستنهي تماماً علاقتها بسياسات ومواقف أردوغان حيث تتداخل الأوراق والمصالح بشكل معقد.
برأيي، وفي ظل مؤشرات الواقع التركي، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، يصعب القطع تماماً بإمكانية فوز أردوغان على الأقل من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأيضاً لن يكون فوز منافسه كمال أوغلو من الجولة الأولى ولو بفارق طفيف مفاجئاً، وفي جميع الأحوال فإن معدلات/ نسب فوز أي من المرشحين بالانتخابات قد يكون لها دور مهم في حسم المنافسة بشكل نهائي، بمعنى أن الفوز بفارق طفيف قد يفتح أبواب التشكيك في النتائج والتلاعب بها ما قد يدفع تركيا إلى مرحلة من القلق والتوتر السياسي.